د. جاسر الحربش
في هذا الموسم المبارك رزق الله ديارنا بالمياه الوفيرة، نسأله أن يغفر لنا ويعوضنا بعض ما أهدرناه بالزراعات العشوائية في العقود الماضية متجاهلين تحذير خبراء المياه عن العطش والجوع العالمي القادم. لدينا وطن تسعة أعشاره على الأقل صحاري جافة، وسنكون في أمس الحاجة عن قريب لاستغلالها بالطرق العلمية الحديثة وإلا انضممنا إلى عالم الجائعين.
لا أعلم عن وجود تعاون سعودي صيني لنقل التجربة الصينية الناجحة في استزراع واستثمار الصحاري الجافة. التجربة الصينية رائدة على مستوى العالم، وحسب المعلومات المتوفرة حولت الصين مساحات شائعة من صحاريها الرملية إلى واحات مثمرة. يقول العلماء الصينيون إنهم طوروا عجائن تخلط بالرمل والبذور والسماد لتحول التربة إلى شبه غروية تحتفظ بالماء وتقلل من التبخر، ولم يثبت لها تأثيرات سمية على الثمار والنبات والحيوان. دولة الإمارات الشقيقة بدأت تعاوناً من الصين في هذا المجال، ولا أعلم إن كانت السعودية اهتمت بالموضوع.
المطبق عندنا حتى الآن ليس تقنية استزراع الصحاري وإنما نهب المياه الجوفية بزراعة الملايين من النخيل والزيتون والأعلاف وإنتاج الألبان، وهذه أنشطة شديدة الاستهلاك للمياه. ما عدا الأعلاف ربما لا يوجد تناسب بين إنتاج التمور والزيتون إنتاج الألبان مع تكاليفها الفعلية عند حساب استهلاك المياه والأسمدة وأجور العمالة الأجنبية وأسعار الآلات الزراعية وتكاليف الوقود والصيانة. ربما أن الموضوع فيه وجاهة وتكسب أشخاص ولكن فيه أيضاً مغامرة محققة بمستقبل الوطن وخسارة مادية متحققة.
قد يكون ما تحتاجه الجهات المسؤولة عن شؤون الزراعة والمياه عندنا هو استنساخ التجربة الصينية. مؤخراً أصبحت السياسة السعودية للتعامل مع المياه الجوفية أكثر حرصاً على المتبقي منها بعد عشرات السنين من الهدر، بدايةً على زراعة القمح ولاحقاً على النخيل والزيتون وصناعة الألبان. بعد فرض سياسة التقنين الزراعي للمياه أتوقع أن المطلوب هو تحقيق الخطوات التالية:
أولاً: الاستثمار في عجائن التربة الحافظة للمياه، إما بتطبيق التجربة الصينية أو إضافة والتعديل حسب ظروفنا المحلية.
ثانياً: حث علمائنا في تقنية النانو وتطبيقاتها الزراعية على إنجاز ما وعدونا به قبل أكثر من عشر سنوات.
ثالثاً: حصر الزراعات التقليدية إن ولا بد منها في المناطق المطرية والسهول الخصبة الرطبة المحاذية للبحار.
رابعاً: إعادة تأهيل النباتات البحرية التي تنمو في المياه المالحة مثل الهوهوبا كأعلاف ثبتت جودتها النوعية، وإعادة تأهيل نبات المانجروف البحري لتنشيط الثروة السمكية على السواحل. أعتقد كمواطن خليجي مستهلك أن مستقبلنا المعيشي يرتبط بالإنتاج الغذائي كأولوية لا تقل عن، وربما تكون مقدمة على الاستثمار السياحي وتقنية المعلومات الحديثة.