شريفة الشملان
جاء المطر بالشرقية متوعدًا بكشف المستور، لا يخاف بشرًا، ولا ينتظر هدية أو شيئًا ما من تحت الطاولة.. المطر واضح وصريح وصارخ.. هنا المكمن..
كنت في القصيم، وشاهدت المطر، وكان مطرًا جميلاً دفاقًا.. يغسل كل شيء، ومن ثم ينزل لمجاريه مطرًا طيبًا لأناس عرفوا التصرف معه.. وقبل ذلك عرفوا أرضهم جيدًا، وخارطة المطر..
حتى الأحد الماضي كنتُ في الرياض، وكان المطر قويًّا، ولم تسلم المدينة -وهي العاصمة- من مناقع المطر. وصلتُ إلى الدمام ظهرًا، وأخذ الوقت بالطيارة من الرياض إلى الدمام 55 دقيقة، في حين أخذنا لبيتنا في الدمام نحو ساعة وخمس وأربعين دقيقة؛ كي نتجنب البحيرات المطرية، ونتجنب الأنفاق. وعلينا أن نشيد بالمطر ونشكره على حسن عمله؛ فهو يضع اليد، ويكشف الفساد، ويكشف الخطأ الذي يتكرر كل عام، ويُظهر جوانب تقصير أخرى.. والبلدية تعد، ونحن لا نريد محاسبة، ولكن نريد إصلاحًا..
الشريان لمدينة الدمام هو طريق الملك فهد (ابن خلدون سابقًا) الذي إذا توقف فلا بد من الالتفاف حول المدينة، والبحث عن شوارع فرعية، تكون مناقع المطر فيها أخف.
لم أكتب مرة ولا مرتين، إنما دائمًا في هذا الوقت من كل عام أكتب عن المطر وما يُحدثه، وكل مرة نسمع كلامًا يجف مع جفاف المطر!
يقول رسولنا الكريم: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه». ولكن لم يتقن مقاولو الطرق عملهم، ولم تتقن وزارة البلديات أو الطرق.. لست أدري من المسؤول عن الطرق، بما فيها الطرق الطويلة التي لا تخلو من تأثير المطر، ولا المراقبين.
حقيقة، إن المطر أكبر كاشف للنقص، ويجب الاستفادة منه حين يدلنا بلا مواربة ولا حياء ولا خوف على المسؤول عن الأماكن التي تحتاج إلى إصلاح، وتحتاج عاجلاً إلى صيانة.
الأنفاق مثلاً كل عام تغرق، وكل عام والسيارات تنقلب لقوارب، وتسلم، خاصة الكبيرة. أما السيارات الصغيرة فنبتهل إلى الله أن يسلم راكبوها..
كل عام والمطر يدق الناقوس وما من أحد يسمع.. ولعلنا نتعجب كيف تعمل الأنفاق ولا يُعمل لها تصريف؟ وكيف مثل هذا الأمر لا تنتبه له الوزارات المسؤولة؟ وكيف يمكن أن يُسمح بمباشرة العمل من قِبل المقاولين الذين رست عليهم المقاولة دون ذلك؟ وهل مهندسو الجهات المسؤولة كانوا في غفلة أثناء وضع خطط الطرق والأنفاق؟؟
حياة الناس لا مجال للمجاملة فيها، ولا المدينة والخراب الذي يحدثه المطر -وليس ذنبه- فكم تتعطل أعمال بسبب ذلك.. ولعل أكبر خسارة هي خسارتنا في التعليم بسبب ذلك؛ فالمطر الذي نعتبره رحمة، ورقصنا له صغارًا، لم يعد يعني العشب ولا يعني الفقع و(المكشات).. بل أصبح يعني خوفًا من غرق، وخوفًا من تدمير مؤسسات.. وأيضًا يعني رعبًا من مستقبل صغار لا يذهبون للمدارس.. وهذا المستقبل ليس لشخص الصغار فقط، ولكن مستقبل الوطن..
البنية التحتية لكل شبر في وطننا مهمة جدًّا.. وما حصل في جدة من قبل كان إشارة وتنبيهًا قويًّا لكل وزارات الدولة التي هي حلقة متصلة.. فالعبء ليس على النقل وحدها، ولكنه يمتد لوزارتَي التعليم والصحة؛ فالمشكلة تكون لكل مواطن يخرج من بيته.
المطر يشير بقوة إلى مواطن الفساد.. نعتبره مراقبًا نشيطًا ومحايدًا.. وننتظر حزمًا لا تجف معه الوعود مع جفاف المطر..
ونعوذ بالله من شر المفسدين أينما وُجدوا.
لا بأس.. لنستمتع بالمطر ونتائجه الجميلة من عشب وفقع و(مكشات).