د. سعاد زيد الزيد
لنفتح نافذة مشوار البحث المكثف في أطر تطوير الذات وبناء الشخصية وتغييرها نحو الأفضل..
شعار ينادى به الكثيرون، ورفعه من أراد تغيير حياته والانطلاق بها نحو الأمام.. وقد يكون سبب تطوير الذات لدى الشخص نابعاً من داخله متأصلاً، أو نتيجة مؤثر خارجي أثر في حياته، فكانت هذه نقطة البداية وانطلاق القدرات الإبداعية المؤثرة، ويصدر قرار الفرد في تطوير ذاته وتغييرها أولاً من داخله وبإرادته هو، ويظهر هذا المعنى واضحاً في قوله تعالى: (...إِنَّ اللَّه لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْم حتَّى يُغَيِروا ما بِأَنفُسِهِمْ).
ولنتساءل هنا، ما أنجح أساليب وطرق تطوير الذات؟ وما العوامل التي يجب توافرها لتحقيق ذلك؟
فنجد أن أساليب تطوير الذات يحتاج إلى اتباع عديد من الأساليب والطرق التي تكون عوناً على تطوير الذات، منها التحدث مع الذات وفي التحدث مع الذات يقول جيمس آلان: (أنت اليوم حيث أوصلتك أفكارك، وستكون غداً حيث تأخذك أفكارك).. فالإِنسان بطبيعته يتحدث مع نفسه كثيراً، ويتوقع الأسوأ دائماً، فهو لا يرى إلا السلبيات أمامه، ولدى كارنيجي رأي في هذا الموضوع فيقول: إن أكثر من 93 في المائة من الأفكار التي ترد إلى الإِنسان حول الأحداث التي يعتقد أنها ستكون سلبية لا تحدث معه، بينما أحداث قليلة تصل نسبتها إلى 7 في المائة فقط فلا يمكن التحكم بها، مثل: الموت، ونلاحظ عند التحدث مع الذات له أهمية كبيرة في حياة الإِنسان، فالبرمجة الذاتية إما أن تجعل منه شخصاً سعيداً وناجحاً في حياته، يحقق كل أحلامه.. وإما أن تجعله تعيساً ويائساً، وبالنظر في اعتقاد الشخص فالاعتقاد هو المحور الأساسي في التحكم في الذات لدى الشخص، وهو الأساس الذي تبنى عليه أفعاله.. ويعد من أهم خطوات النجاح، يقول الكاتب الأمريكي نابليون هيل (ما يدركه ويؤمن به عقل الإِنسان يمكنه أن يحققه)، والاعتقاد هو ما يتحكم في الفرد النجاح أو الفشل، فهو قد يكون السبب في فشل الفرد في حياته العملية وتصرفاته في الحياة، وقد يكون السبب في نجاحه وبلوغ أهدافه التي يتمناها.. وأكبر مثال على ذلك هو توماس أديسون، فقد اعتقد أنه سينجح في يوم من الأيام، وسيحقق ما يسعى إليه، لذلك واصل عمله وتجاربه رغم كثرة تجاربه الفاشلة، ورغم ذلك فقد واصل العمل حتى أثبت نجاحه للجميع.
وعلى ضوء لما سبق.. نجد أن معرفة القرار المتخذ سيغير المصير ويفتح أفقاً جديداً ومسارات لم يصل لها من قبل، فلا بد أن يعرف الإِنسان أن القرار الذي سيتخذه هو القرار الذي سيغير حياته ومصيره، وسيكون انطلاقة له نحو النجاح، فالقرارات التي يتخذها الإِنسان تحدد شكل تعامله مع الآخرين، وطريقة عمله، فالعالم يتحرك في إطار أمرين هما؛ السرعة، والابتكار، ولذلك على الإِنسان أن يدرك أهمية هذا الأمر، يقوم القرار المتخذ من قبل الشخص على أمور مهمة، منها قِيم الشخص المقرر، واعتقاده، والمفهوم الذاتي لديه، ومدى إدراكه للأشياء المحيطة به، ووجود المؤثرات الخارجية، مع مراعاة اختيار الفرد قدوة له ليكون حافزاً ودافعاً له نحو التطور والنجاح، وإضافة إلى ذلك يجب أن يردد باستمرار (أنا أستطيع أن أنجح....) وأن يتصور ويتخيل نجاحه وإبداعه، وما يرغب النجاح به، وهذا التخيل والتصور للمستقبل، والتغيير الذي سيحدثه، وكل هذا سيكون دافعاً لبذل الجهد والمثابرة.
أما عوامل تطوير الذات وبناء الشخصية تشير إلى أنها تحتاج إلى مجموعة من العوامل الإيجابية التي يجب أن تتوافر في الشخص، وبمقدار توافر هذه العوامل في الشخص يكون نجاحه وتطوره، فهذه العوامل هي بمنزلة الخلطة مركبة، متعددة ومتجانسة العناصر والمحتوى، ومن الضروري توافرها في عملية النجاح، وعلى الإِنسان أن يدرك أمراً مهماً، هو أنه لا يوجد نجاح صافٍ وخالٍ من الانتقاد أو الجدال، أو لا يقبل التحسين، فهذه حقيقة، من أدركها لم يصبه غرور النجاح، وسيواصل مسيره في طريق الارتقاء والتقدم والتطور والطموحات.
ومن العوامل التي تسهم في تطوير الذات لدى الإِنسان، أن يتم تحويل رغباته إلى أهداف، وكثير من الأفراد لديهم رغبات وأمنيات كثيرة، يريدون تحقيقها في أعماق أنفسهم، إلا أن هذه الرغبات تبقى على حالها دون أن يبذلوا أي جهد أو عمل في سبيل تحقيق ما يريدونه من رغبات، لذلك يبقون في أماكنهم، من غير إحراز أي تقدم في حياتهم وأي تغير.. ولكي يحقق الإِنسان التقدم الذي يتمناه، عليه رفع درجة الرغبات هذه إلى درجة أعلى من ذلك، فلا تبقى مجرد رغبات يتمناها الشخص، وإنما عليه أن يجعلها لها أهدافاً واضحة ودقيقة قابلة للتطبيق، ثم يبدأ بوضع الإجراءات العملية اللازمة لتحقيقها على أرض الواقع الملموس.
فعملية البدء بالعمل فوراً عند تحديد الهدف، وقد يقف الشخص محتاراً بين عديد من الأهداف، فعليه أن يختار الأفضل منها، ويجزم في الأمر بعد أن يكون استغرق في التفكير وركز على التفاصيل، فحدد بعدها الهدف الذي يسعى له، ومن ثم ينطلق للتنفيذ، مع البحث المتواصل في الطرق والوسائل التي تعينه على ذلك، والعمل المتكامل يولد اليقين، أي عليه أن يكون على يقين بأنه سينجح في عمله الذي أقدم عليه، ويثق بنفسه ونجاحه في بلوغ الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها ويتمناها.
ومن طرق تطوير الذات وبناء الشخصية مثل قراءة كتاب بشكل يومي بهدف تعزيز القدرات العقلية، وإضافة معلومات جديدة، ويراعى كتابة الأمور التي تشكل عائقاً في تطوير الذات والشخصية على ورقة، والعمل على معالجتها، وأما بخصوص موضوع إدارة وتنظيم الوقت يكون من خلال وضع جدول زمني منطقي يشمل جميع الأعمال والإنجازات التي تطلب منه بشكل يومي، وإنجازها دون هدر وتضييع في الوقت، مع الحرص على الاستيقاظ مبكراً، مع تناول وجبة الإفطار، بهدف إمداد الجسم بحاجته من الطاقة للقيام بالعمليات الحيوية طوال اليوم، وممارسة التمارين الرياضية بشكل منتظم، لأن العقل السليم في الجسم السليم، وأخذ قسط وافر من الراحة عند الشعور بالتعب والإرهاق، والاهتمام بالمظهر الخارجي والنظافة الشخصية، مع مراعاة تجنب الأشخاص المحبطين، واختيار الأصدقاء المتفائلين الذين يتمتعون بشخصية إيجابية، والتحلي بروح الفكاهة، وتكوين علاقات اجتماعية قائمة على الود والاحترام ومحبة الآخرين. مع تجنب العبارات السلبية والمحبطة، وأيضاً تجنب العقليات المتحجرة، مع إدراك الحقائق، وتقبل الواقع، والتركيز على النفس عند وجود أي مشكلة، مع التحلي بالصبر، لأن التغيير والتطوير يحتاجان إلى الوقت والعمل الجاد، والتحلي بالقوة والتحمل في المواقف الصعبة، لأن الغضب السريع يعد من مؤشرات ضعف الشخصية.
وهنا لا ننسى أن إدراك قيمة النفس، واحترامها، وتقبلها بعيوبها، ومحاولة إصلاحها.
وأخيراً.. وللتأكيد على ما تقدم أن عملية تطوير الذات وبناء الشخصية هي عملية تنمية واكتساب المعلومات والسلوك والمهارات والقدرات وهي تجعل الإِنسان يشعر بالرضا عن نفسه، من خلال اتباعه وسائل ومناهج تساعده على التركيز على أهداف حياته، والسعي لتحقيقها، مع استعداده للتعامل مع أي عائق يؤثر في تطويره وبناء شخصيته في المستقبل.
من خلال أشخاصنا نصنع نجاحنا.