مهدي العبار العنزي
المتأمل في السيرة النبوية يجد أن الرسالة نزلت على رسول الهدى - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما بلغ سن الأربعين، وقبله سيدنا عيسى عليه السلام الذي بدأت دعوته للناس حين بلغ سن السابعة والثلاثين، بالرغم من أنه وُلد بمعجزة إلهية، وكان بإمكانه أن يبدأ في سن مبكرة؛ لأنه كان يكِّلم الناس في المهد!!
السؤال: ما هي سن الدراسة والعمل بعد التخرج؟
الدراسة ليس لها سن محددة، وطلب العلم فريضة في الإسلام، ولم يُحدد له سن أو شكل أو لون أو مرجعية، بل في الدول المتقدمة نجد الجالسين على مقاعد الدراسة الجادين والطامحين لنيل العلم والمعرفة أغلبهم تتراوح أعمارهم بين الثلاثين والأربعين؛ والسبب يعود إلى أن الذين يتخرجون في دولة كأمريكا مثلاً نسبتهم تصل إلى 40 % فقط! والأسباب كثيرة، منها: تكوين النفس، واكتساب الخبرة الكافية، وتحديد واختيار التخصص المناسب، وعدم وجود الوقت الكافي للتفرغ للدراسة والعمل معًا، والتخرج بمعدل عالٍ من متطلبات مواصلة الدراسات العليا، وبيولوجيا الجسم في سن المراهقة التي تستمر مع البعض حتى سن الـ26.
بينما نقرأ كل يوم إعلانات عن وظائف أو حتى قبولات الجامعات، يحددون فيها سن المتقدم بأن لا يتعدى 28 عامًا لخريج البكالوريوس و30 عامًا للماجستير لشغل وظيفة محاضر أو معيد. ولا أدري ما هذه الخبرة التي لدى هذا الشاب أو الشابة؟ بل تعتبر شهادة الطالب الثانوية منتهية الصلاحية بعد 3 إلى 5 سنوات من التخرج!!
أما في القطاع العسكري فهناك من يرسب في الطول، ويُحرم من الالتحاق بالخدمة العسكرية لهذا السبب، بينما في أغلب دول العالم يكون التجنيد إجباريًّا، ويُستفاد من الشباب بهذا الخصوص.
أما بالنسبة للعمل، وخصوصًا في بلادنا، فجميع التخصصات الطبية والهندسية والإدارية والصناعية بحاجة ماسة للسعوديين، وتصل نسبة الأجانب فيها إلى أكثر من 70 % في بعض القطاعات. والأسباب عديدة، منها: تحديد السن، وأن لا يتعدى 40 سنة، أو طلب خبرة تصل إلى 10 سنوات من حديث التخرج!! وكذلك حصر القبولات الجامعية على خريجي الثانوية العامة، وإلغاء الانتساب، فرض السنة التحضيرية التي تضيع سنة من عُمر الطالب، ويتأخر في التخرج، الاستمرار بتدريس تخصصات ليس لها مستقبل وظيفي، وهذا يكلف الدولة الكثير؛ إذ يصرف للطالب مبلغ شهري وهو طالب، ومبلغ في حال عدم وجود وظيفة!! علامات استفهام وتعجب كثيرة تبحث عن إجابات ممن سَنّ هذه القوانين التي تؤخر عجلة النمو والتطور وتحقيق الأهداف والرؤى.
والعمل في الدول الغربية كأمريكا، وأوروبا عمومًا، يبدأ من سن الـ16؛ وذلك لتشجيع الطلاب على الاعتماد على النفس، ويُخصص لهم وظائف تتناسب مع سنهم وقدراتهم، وهذا يساعدهم على تحديد مسار حياتهم، واختيار المستوى المعيشي الذي يطمحون إليه من حيث إكمال الدراسة؛ إذ يطمح الكثير منهم إلى دراسة الطب الذي تصل سنوات دراسته إلى أكثر من 8 سنوات، وقد تمتد إلى 10 على حسب التخصص.
ولكن في بلادنا يبقى الشاب عالة على والدَيْه والدولة، ويغرق في بحر التيه؛ وذلك لاتكاله الكلي عليهما.. وهذا لا يخدم إطلاقًا، لا الفرد ولا المجتمع.
في الختام، يجب أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، ونستفيد من تجاربهم؛ لنجعل الحياة أسهل وأكثر أمنًا وسلامة وصحة للفرد والمجتمع.. ولنتذكر أن الله كان قادرًا على أن يأمر رسله بأن يبدؤوا بمرحلة مبكرة من سنهم، ولكن حكمة الله التي لا يعلمها إلا هو؛ فلقد وُلد عيسى بمعجزة، ومعجزة حادثة شق صدر الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - حينما كان طفلاً، وهما كفيلتان بأن تكون الدعوة والبعثة والرسالة في سن مبكرة.. ولكن!!
فالجواب الصحيح أنه ليس هناك سن محددة لطلب العلم أو الالتحاق بالعمل، بل هي الحاجة التي تتطلب ذلك.