أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: صح الخبر عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: احتجت الجنة والنار؛ فقالت النار: يدخلني الجبارون، والمتكبرون.. وقالت الجنة: يدخلني الفقراأ، والضعفاأ، والمساكين.. فقال للنار: أنت عذابي أنتقم بك ممن شئت.. وقال للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من شئت.. وصح قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتدرون أول من يدخل الجنة من خلق الله عز وجل؟.. قالوا: لا يارسول الله.. قال: (هم الفقراأ، والمهاجرون: تسد بهم الثغور، وتتقي بهم المكاره، يموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع قضاأها).
قال أبوعبدالرحمن: هان على الشاعر (الزهاوي) دينه؛ فألف ديوان شعره (ثورة في الجحيم)، وزعم (؛تخيلاً، أوتهكماً): أن أهل النار يثورون، ويمتطون ظهور الشياطين، ويحتلون الجنة؛ لأنه ليس فيها إلا الضعفاأ.. ولم يقدر الله حق قدره إن كان متخيلاً (وأعظم مصيبة إن كان متهكماً)؛ فلم يرع عدو الله قدسية ربنا؛ وذلك أن الله سبحانه وتعالى ملك يوم الدين ومالكه، وأن الجنة والنار في قبضة ملائكة كرام لا يعلم قوتهم إلا ربهم الذي خلقهم، وما جاأ في القرآن الكريم والسنة المطهرة من وصفهم.. كما أن الشياطين وجبابرة أهل النار هم الضعفاأ المستذلون يومها.. وأهل الجنة ضعفاأ في الدنيا بعبوديتهم لله خوفاً منه، وخضوعاً وخشوعاً، وامتثالاً لشرعه بالتواضع والزهد، والمشي على الأرض هوناً، ومعاشرة المساكين، وكظمهم الغيظ، ورقة قلوبهم بالرحمة والإحسان، وحبهم الخير للبشرية، وتسامحهم؛ فإن انتصفوا: انتصفوا بحق وعدل دون جبروت، وأكثرهم لا ينتصر لنفسه.. هذه صفة ضعفهم وفقرهم.. ولكنهم في الرد على أعداإ الله أقوياأ، وهم أهل الحرية والاستعلاإ بما يستعبد النفوس؛ وهم في حق الله رهبان في الليل، أسود في النهار: تحمى بهم الثغور، وتتقى بهم المكاره.. منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يرقع ثوبه، ويأكل ويلبس الخشن، وينزل عن البغل لما كان فارهاً، ويركب الحمار تواضعاً لله.. وعلى يده بعون الله سبحانه وتعالى اتسعت الرقعة، وأصبح العرب والمسلمون أمةً واحدة مرهوبة؛ وأما أبو بكر الصديق رضي الله عنه: فما يبلغ أحد من أصحاب الأنبياإ عليهم صلوات الله وسلامه وبركاته: قدر، وما طلعت شمس ولا غربت بعدهم على أفضل منه.. وكم من لمّاع اليوم مستكبر أنفه في السماإ وأسته في الماإ؛ وهو عبد لكل أغلف لم يقل يوماً: (رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين).. وأما خصوصية أمة محمد صلى الله عليه وسلم: فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي (كما في حديث ابن مسعود الصحيح رضي الله عنه): أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ (قالوا: نعم) قلنا: نعم.. قال أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟.. قال: فوالذي نفسي بيده إنني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة؛ وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة.. وعند مسلم في صحيحه: بيد أنهم أوتوا الكتاب قبلنا، وأوتيناه من بعدهم؛ فاختلفوا؛ فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق؛ فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه: هدانا الله له.. وقال: عن يوم الجمعة: فاليوم لن، وغداً لليهود، وبعد غد للنصارى.
قال أبوعبدالرحمن: هذا من خصوصيات أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وبها كانت أمةً مرحومة، وهم أمد أهل الأديان زمناً بدين صحيح لم يبدل أو يحرف؛ بل تكفل الله بحفظه.. ودينهم ناسخ عام للبشرية؛ وهم أقصر أعماراً، وأكثر أجوراً، وعندهم ليلة خير من ألف شهر.. ومفهوم الأمة عندهم يشمل كل من آمن بدين الإسلام من أهل الكتاب والوثنييين والأحمر والأسود.. وأهل الكتاب أكثر الناس اليوم؛ فمن أسلم منهم أوتي أجره مرتين؛ فأصبح من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. وقد رفع الله عن الأمة الإصر والحرج، ومنحهم كثرة المكفرات في دينهم؛ فلا عجب بعد هذا العموم لأمة محمد صلى الله عليه وسلم بشرط الإسلام: أن يكونون أمة إجابة؛ وأن يكونوا نصف أهل الجنة، والله المستعان.