د.عبد العزيز الصقعبي
حين لا تبقى مساحة في أرفف المكتبات الكبيرة للكتب الجديدة، وحين تشغل بعض الكتب التي لا يحتاجها كثير من المستفيدين لقدم المعلومات التي تحملها، أو وجود كتب بمعلومات أحدث يجب أن تحل مكانها، تبدأ مهمة المكتبي بتنقية المجموعات أو ما يصطلح عليه « التعشيب أو weeding» ، وهو نقل الكتب غير المطلوبة أو المصادر القديمة إلى مستودعات خاصة، أو توزيعها على مكتبات أخرى.
تبادر إلى ذهني تنقية الكتب وتعشيبها وأنا أقرأ رواية ظل الريح ثم رواية لعبة الملاك للكاتب الاسباني كارلوس زافون، حيث كتب أربعة روايات تم ترجمة ثلاث منها -حسب علمي-، وهذه الكتب تقع تحت مسمى « رباعية مقبرة الكتب المنسية»، وهذه المقبرة التي يصفها زافون بالمكان الذي يشبه المتاهة به أرفف كثيرة حيث تدفن أو توضع الكتب التي لا يقرأها أحد أو التي أصبحت طي النسيان، لها حارس يدعى اسحق، ومن يزورها وهذا نادراً، يأخذ كتاباً ويتبناه بحيث يخرجه من تلك المقبرة.
هنا في المملكة العربية السعودية، هل نحتاج لمثل هذا المكان، أم أن كل مكتبة، عامة أو متخصصة أو جامعية، لديها المقبرة الخاصة بها «مجازاً»، وهنا ننطلق بعدة أسئلة هل الكتاب يموت؟ هل ننظر للكتاب ككائن حي له عمر زمني، وبعد ذلك ينتهي إلى النسيان أو الموت إلا ما ندر، أعتقد أن هنالك كتب عمرها قصير مثلاً الإحصائيات أو بعض كتب التقنية أو كتب الحاسب الآلي، من النادر أن نجد من يبحث عن «ويندو95 أو الدوس» كمثال، وكثير من الكتب التي تبقى سنوات طويلة دون أن يطلبها أحد.
وحين نتوقف عند المكتبات الوطنية، وبالطبع لدينا هنا مكتبة الملك فهد الوطنية، نجد من أول مهامها هو حفظ التراث المخطوط، حيث تحفظ غالباً نسختين من كل كتاب « أو وعاء معلومات حسب تنوعها» داخل المكتبة بعد أخذ رقم خاص بالإيداع ورقم دولي معياري، تلك الكتب تشمل كل ما صدر داخل المملكة أو ما أصدره أي سعودي أو سعودية خارج المملكة أو كل ماله علاقة بالمملكة، الحفظ بصورته النظامية بدأ منذ صدور نظام الإيداع قبل ما يقارب ربع قرن، ولكن من المفترض أن يشمل كل ما صدر منذ تأسيس المملكة في عهد الملك عبد العزيز – طيب الله ثراه-.
حفظ هذا التراث الفكري يعني وجوده في خزنة خاصة بعيدة عن متناول الأيدي، ولذا تسمى المكتبات الوطنية في بعض الدول بخزانة الكتب، وبالطبع أغلب الدول يضعون تلك الكتب في أدوار تحت الأرض، كأنها القبور، وبعضها داخل الجبال، وأعتقد أن التراث الوطني بشتى صوره مهم، ويجب الحفاظ عليه، عليه أعتقد أن مكتبة الملك فهد على الجهد الذي تقوم به بتوثيق وحفظ التراث الوطني المكتوب وهذا تشكر عليه، تحتاج مستقبلاً إلى مساحات أكبر، ليس في هذه السنوات، ولكن لابد من التوسع إذا نظرنا إلى حركة النشر المضطردة والمتزايدة، وبالطبع ليس الحفظ فقط للكتب، بل كل أوعية المعلومات، الصحف بأحجامها الكبيرة، وبقية الدوريات والوثائق والمخطوطات وغيرها.
مقابر الكتب « مجازاً» ظاهرة صحية، لحفظ الكتب التي استغنى عنها الجميع، ولكن بالمقابل هنالك كتب يحتاج لبعث جديد، كتب أصدرها مؤلفوها في زمن سابق، بنسخ محدودة، غالباً نفدت جميع النسخ، أغلبها أصابه التلف، والبعض بقي في مكتبات أفراد منسية، وأصبحت بعيدة عن أيدي الباحثين على الأقل، على الرغم من أهميتها للقراءة، تلك الكتب تحتاج أن تعود لأرفف المكتبات بكافة أنواعها، وبعثها يجب أن يأتي عن طريق مؤسسات ثقافية، أنا لم أتطرق لأوعية المعلومات الإلكترونية، فهذا أمر آخر يحتاج إلى حديث طويل، ونعرف أنه من خلال برامج الحاسب المختلفة، سنجد مساحة كبيرة لحفظ الكتب رقمياً لسهولة البحث أو بشكلها التقليدي مصورة، لمن لم يألف النسق الحديث ويريد الاطلاع على الكتاب كأنه ورقي، أنا لا أحب مطلقاً إتلاف أي كتاب، بل حفظه بأي صورة، حتماً سيكون بعيداً عن الأيدي، وعندها سيدخل في دائرة النسيان، وليس الموت، وهنا أقول هل سيكون هنالك فعلاً في المستقبل مقابر للكتب المنسية؟.