د. محمد عبدالله العوين
وصلتني رسالة من أحد القراء تحدث فيها عن جفوة حبيبته له، وطال أمد تلك الجفوة حتى تحولت إلى قسوة توغلت آلامها وتقطعت الأسباب المأمولة لترقيق قلبها الجامح الذي أنكر ما كان بينهما من رباط وثيق كان يظن أنه لا يمكن أن يضعف أو يتهاوى بعد أن كان حبا عميقا وشجنا رقيقا وعاطفة جياشة نابضة بالصدق والبذل والوفاء؛ فكتب إليها يحدثها عن أيامهما الخوالي التي كانت:
« حبيبتي فلانة... بعد التحية والاعتذار منك عن هذا البوح الصادق
لا أصدق أبداً والله أنك (فلانة) ولم يدر في خلدي يوما أنك ستنقلبين فجأة إلى أخرى لا أعرفها ولم أعش معها ولم أصحبها ولم أقض معها الأيام الحلوة والمرة طيلة سنوات زواجنا التي نيفت على خمسة عشر عاما..
لا أصدق أنك تحملين في داخلك كل هذه القسوة، وأنك انقلبتِ فجأة إلى لبؤة شرسة وإلى صخرة صماء وإلى صحراء مجدبة وإلى وادٍ سحيق من الصمت والجمود.
ربما أخطأت أو قصرت، ربما عثرت، ربما رأيت مني ما لا يعجبك في حالة لم أكن فيها مهيأ أن أظهر لك ما يليق بك؛ فقد كنت في الأيام الفائتة قبل هذه الجفوة القاسية مثقلا بأعباء العمل، ومطالبا من مديري بواجبات ناء بها كاهلي، وملاحقا من البنك بتسديد أقساط متأخرة، ولم أتحدث لك عن شيء من ذلك لئلا أثقل عليك بما لا شأن لك فيه، وما أردت أن أزيدك حملا على ما تحملينه من مسؤوليات البيت ومتابعة الأولاد، علم الله أن صمتي في الفترة الماضية التي سبقت انقلابك المفاجئ كان رحمة بك من أدخلك معي إلى عالم بائس مضن من القلق؛ ولكنك فهمت -كما بدا لي- أن صمتي الطارئ كان جفاء أو نضوب عاطفة محبة نحوك؛ لا سيدتي؛ لقد أطبق علي الصمت اضطرارًا، ونزلت على رأسي هذه الهموم دون أن أجد لها حلا سوى التأمل والعمل الدؤوب إلى أن يفرجها الله من عنده؛ فما استوعبتِ ما أنا فيه، ولا قدرتِ الأحوال الضاغطة التي تكتنفني من كل جانب، وبدلا من أن تسعي بكلماتك اللطيفة إلى التخفيف وبث الأمل والتعلق بالرجاء ذهبتِ بعيدًا وقابلت حالة تستوجب التأييد والعون إلى أن تكوني خصمًا لدودًا يعيش معي وأعيش معه في منزل واحد!
لا أدري كيف بلغت بك القسوة إلى أن غابت عن ذاكرتك أيام الصفاء والعطاء والبذل؟ هل نسيتِ كم تناجينا؟ وكم حلمنا؟ وكم غنينا؟ وكم ترحلنا؟ هل نسيت كم دللننا أولادنا بأعذب الأغنيات؟ هل نسيت كم تعاهدنا على البحر وفي السهول وعلى الروابي وفي الفضاء الطائر إلى قارات الدنيا؟
هل يمكن أن يموت الحب فجأة وبلا سابق إنذار؟!
لا يمكن أن أصدق أبداً أن من أحب يومًا بعمق سيتخلى في لحظة فورة مشاعر غاضبة عمن منحه مهجته ورأى الدنيا بنبضات قلبه وسواد عينيه، والسلام».
التوقيع: خالد