حمّاد السالمي
كمٌّ هائل من الشتائم والمذامّ؛ ينهال علينا. أكثرها من جوارنا العربي؛ ومن بعض أبناء جلدتنا؛ الذين طالما أكلوا وشربوا على موائدنا، والكثير منهم عاشوا وتربوا على خيرات بلادنا، حتى أولئك الذين كانوا بيننا؛ ثم (تأيرنوا، وتتركوا، وتفرنجوا، وتأمركوا)؛ ما لبثوا أن وقعوا في شباك المال القطري القذر، فتحولوا إلى نائحات صائحات، في جنائز (قطرية فارسية تركية إخوانية). تزفها (جريرة قطر)، ويمولها إعلام المال القطري الفضائي. إعلام يمتهن التدليس والتزوير والكذب، حتى يوفر وظائف وصنائع للعاطلين والمشردين والمطرودين من بني يعرب في عواصم أوروبا وأميركا.
هذه ظاهرة نعيشها في عصرنا هذا؛ أن يعبث المال بعقول الناس، وأن يشتري ذممهم، وأن يفسد أخلاقهم، وأن يجري كل هذا العبث باسم الإعلام الحر النزيه، وباسم الرأي والرأي الآخر، وباسم حقوق الإنسان. الإنسان الذي تُنتهك حقوقه بالتلفيق والتحريض وتشويه الواقع. كيف نفسر هذه الحالة التي نعيشها؛ والتي جعلت من المملكة العربية السعودية وشعبها هدفًا وغاية..؟
أليس هذه حالة مرضية؛ دافعها الحقد والحسد والغيرة؛ في مواجهة النجاح الذي تحققه المملكة على الصعد كافة؛ الاقتصادية والاجتماعية والسياسية..؟ وهل من علاج ناجع لها؛ غير تحقيق المزيد من النجاح؛ والإصرار على المضي في الطريق من نجاح إلى نجاح..؟ ألم يقل المتنبي ذات يوم:
إِنّي وَإِن لُمتُ حاسِدِيَّ فَما
أُنكِرُ أَنّي عُقوبَةٌ لَهُمُ
وَكَيفَ لا يُحسَدُ اِمرُؤٌ عَلَمٌ
لَهُ عَلى كُلِّ هامَةٍ قَدَمُ
إنها غيرة الأقربين قبل الأبعدين، والغيرة تولد الحسد، والحسد يجسد عقدة نقص عند أعداء النجاح والعمل والعطاء. عقدة النقص تدفع إلى السب والشتم والتزوير والتدليس والتلفيق. إن المصابين بعقدة النقص ضد المملكة العربية السعودية العظمى؛ وضد شعبها العظيم، يكشفون عن سوءاتهم، ويمارسون إساءاتهم، لأن هذه هي وسيلتهم الوحيدة للتنفيس عن غلهم وحقدهم وحسدهم ونقصهم البين الظاهر. إن شتم الناجح وذمه؛ لا ينتقص منه، بل يزيده رفعة وعظمة:
وَإِذا أَتَتكَ مَذَمَّتي مِن ناقِصٍ
فَهِيَ الشَهادَةُ لي بِأَنِّيَ كامِلُ
لقد علمتنا الحياة؛ أن (الشجرة المثمرة هي وحدها التي ترمى بالحجارة)، وتعلمنا من تاريخنا؛ أن (كليبًا طُعن من الخلف، لأنه كان يسير في المقدمة). لو لم تكن الشجرة مثمرة؛ لما التفت إليها أحد، ولما رميت بالحجارة للظفر بما تحمله من ثمر، ولو لم يسر كليب في مقدمة الجيش؛ لما طعنه عدوه الجبان من خلفه. هذا هو قدرنا.. قدر المملكة العربية السعودية، وقدر شعبها العظيم، أن يكون لها أعداء من عرب وعجم، وأن تكون مستهدفة من الكل، لأنها شجرة مثمرة، ولأنها قائدة ورائدة بين أمم الأرض.
ما موقفنا كدولة وشعب من شتم الشاتمين، وذم الذامين، وحسد الحاسدين، وتدليس المدلسين، الذين ما فتئوا علينا متكالبين، لا يكلون ولا يملون..؟ إن شيمنا وأخلاقنا ونفوسنا الكبيرة؛ تجعلنا دون شك؛ أكبر وأكمل من هذا كله، فلا نجاريهم، ولا نباريهم، لا عجزًا ولا نقصًا منا، وإنما عزة وترفعًا ونزاهة:
إذا سقط الذباب على طعام
رفعت يدي ونفسي تشتهيه
وتجتنب الأسود ورود ماء
إذا كان الكلاب ولغن فيه
ويرتجع الكريم خميص بطن
ولا يرضى مساهمة السفيه
وسيلة أهل النقص في كل زمان ومكان؛ محاربة النجاح، وتثبيط الناجح. ناسين أو متناسين؛ أن أساليبهم مكشوفة، ونقائصهم معروفة، وأنهم بهذا الخزي الذي يأتونه أمام الملأ، إنما يحفزون على المزيد من النجاح، وأن السعوديين على مختلف أعمارهم وطبقاتهم ومذاهبهم ومناطقهم، يسخرون ليل نهار من هذا التهريج الموجه ضدهم، وأنهم كما قال الشاعر قديمًا:
كم تطلبون لنا عيبًا فيعجزكم
ويكره الله ما تأتون والكرمُ
ما أبعد العيب والنقصان عن شرفي
أنا الثـّريّا وذانِ الشيب والهرمُ
كثيرة هي الفوائد التي نلناها من شتائم ومذام ونقائص إعلام الحمدين، ابتداءً من (قناة الجريرة)، وليس انتهاءً بقنوات وصحف وأبواق؛ يُسيّرها المال القطري السائب عبر قارات العالم. لقد عرفنا الكثير من أعدائنا. تمامًا مثلما عرفنا الكثير من أصدقائنا:
جزى الله الشدائد كل خير
عرفت بها عدوي من صديقي
بل أهم من هذا كله؛ أننا عرفنا مدى قدرتنا على المواجهة والفهم والتصدي، وأن لدولتنا مكانة، ولنا قيمة، وأن ما نتعرض له؛ لم يزدنا إلا عزة ورفعة وقوة. يروى: أنه حدث زمن الأدباء الكبار في مصر؛ مثل طه حسين، والعقاد، والمازني، وشوقي، وغيرهم؛ الذين كانوا يلتقون في مقاهي القاهرة الشهيرة، أن جاءهم ذات يوم الفنان محمد عبدالوهاب في بداية مشواره الفني. جاءهم يتأبط رزمة من الصحف اليومية، وكان متبرمًا مكتربًا، فقالوا له: ما بك..؟ قال: الصحف كلها تهاجمني وتشتمني بعنف. قال له الشاعر الكبير أحمد شوقي: حسنا.. ضعها على الأرض الآن. فلما وضعها قال له: اصعد فوقها بقدميك. فلما صعد قال له: ماذا ترى..؟ هلا رفعتك عن الأرض أم خفضتك..؟ قال: بل رفعتني. قال: إذن دعهم يشتموك وينتقدوك كما يريدون..!
هذا هو حالنا -بحمد الله- مع شاتمينا وشانئينا. يشتمون وينقمون، ونحن نعلو عليهم ونرتفع.. وطني السعودي ينتصر.. وطني السعودي يتقدم، وهم يحسدون ويفجرون في الخصومة:
وللحُسّاد عذرٌ أن يشحوا
على نظري إليه وأن يذوبوا
فإني قد وصلت إلى مكان
عليه تحسد الحدقَ القلوبُ