د.سالم الكتبي
شهد الأسبوع الماضي تحركات مهمة للدبلوماسيتين الإماراتية والسعودية، وأبرز ما في هذه التحركات أنها كانت مفاجئة للمتربصين بالدولتين من الدول الإقليمية والتنظيمات الإرهابية، فبعد ساعات من إنهاء صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة جولة خارجية مهمة شملت كل من المملكة الأردنية والجمهورية الفرنسية، استقبلت دولة الإمارات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في أول محطة لجولة خارجية طويلة يقوم بها سموه وتشمل مملكة البحرين وجمهورية مصر العربية وتونس والمشاركة في قمة العشرين التي تعقد بالأرجنتين نهاية الشهر الحالي.
وقد صاغت زيارة سمو ولي عهد أبوظبي إلى فرنسا أسس جديدة للعلاقات الإماراتية الفرنسية، فالعلاقات بين أيّ دولة خليجية وشركاء أوروبيين ظلت لعقود وسنوات مضت حبيسة الاقتصاد والتعاون العسكرية والصادرات النفطية، وهي المفردات التي كانت تتردد دائماً في فضاء هذه الشراكات، ولكن الدبلوماسية الإماراتية باتت تبني جسوراً جديدة للعلاقات، وهي جسور من شأنها تعميق علاقات الإمارات مع الشركاء الأوروبيين والتحرك في فضاءات جديدة من شأنها تعميق وتعزيز الروابط بين الجانبين، وهذا يفسر حديث صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عن الشراكة الإماراتية الفرنسية ليس فقط في مجال مكافحة الإرهاب، ولكن أيضاً في دعم قيم التسامح وتعزيز الحوار والتفاعل والتعايش بين الشعوب والحضارات والثقافات ونبذ التعصب والكراهية، والعمل من أجل السلام والاستقرار والتنمية في الشرق الأوسط والعالم.
اهتمامات ودوائر عمل جديدة تجمع الإمارات وفرنسا، فالشراكة بين البلدين باتت تشمل الجوانب الثقافية والحضارية، بما في ذلك التعاون الثنائي لحماية التراث الثقافي بمناطق النزاعات، وتلك جزئية بالغة الأهمية ربما تغيب عن دائرة الاهتمام العالمية خلال فترات الصراعات والأزمات.
الحقيقة أن الإمارات وفرنسا قد نجحا في إيجاد أرضية مشتركة جديدة من شأنها تعزيز العلاقات الإستراتيجية القائمة بين الدولتين.. فالدولتان شريكتان على الصعيد القيمي، وتمتلكان منظومة من القيم التي يحتاجها العالم لنشر الأمن والاستقرار والتعايش وتسوية النزعات والأزمات.. وقادرتان أيضاً على القيام بدور تنويري في نشر قيم إنسانية مهمة مثل التسامح والتعايش وقبول الآخر، وهي قيم كان غيابها وانحسارها سبب في الكثير من الأزمات التي تعانيها مناطق شتى من العالم في العصر الحديث.
لوفر أبوظبي يمثل أيقونة ثقافية رمزية بالغة الدلالة لشراكة إستراتيجية إماراتية فرنسية، وقد جاء إطلاق فرنسا اسم صاحب السمو الشيخ/ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة -حفظه الله- على المسرح الإمبراطوري في فونتينلو التاريخي في باريس، ليعكس قناعة القيادة الفرنسية بالدور الحضاري المتنامي لدولة الإمارات في محيطها الإقليمي وعلى الصعيد العالمي.
هذه الشراكة تتزامن وتتكامل مع دور سعودي قوي على المسرح العالمي في ظل قيادة سعودية طموحة وتمتلك إرادة التطور والبناء، حيث تمثل الجولة الخارجية التي يقوم بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان صفعة على وجه كل من راهنوا على طعن المملكة الشقيقة وتدبير المكائد لقيادتها، فأثبتت المملكة بالتفاف الشعب السعودي الشقيق حول قيادته، ودعم الدول الشقيقة لها، أنها قادرة على رد المكائد وصد المؤامرات والتصدي لها، وقيادة أمتها العربية والإسلامية بكل جدارة وثبات.
وقد عبر صاحب السمو الشيخ/ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، -رعاه الله-، عن قوة العلاقات والروابط الأخوية التي تجمع قيادتي الإمارات والسعودية في قصيدة رائعة، تغني عن الكثير من المقالات والدراسات، وعبر فيها عن العلاقة الأخوية التي تجمع صاحب السمو الشيخ/ محمد بن زايد آل نهيان وولي العهد السعودي بقوله: «وفي ضيافَةْ أبو خالدْ هُوْ إيمينكْ وإنتهْ يمينهْ وشانهْ واحدْ وشانكْ».. واختتم هذه القصيدة الرائعة بالقول: «نحنْ معكْ صفِّنا واحدْ موالينكْ عَ كلْ حالٍ ترانا أوثَقْ إخوانكْ».
جولتا صاحب السمو الشيخ/ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي تعززان فكرة التحالف الإماراتي السعودي.. فالدولتان باتتا محور الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، ويصعب الحديث عن بناء أيّ معادلات أمنية أو منظومات علاقات إقليمية بمعزل عن هاتين القوتين اللتين أثبت تحالفهما قدرته على صون الأمن القومي الخليجي والعربي والدفاع عن مكتسبات الشعوب والدول العربية.