إبراهيم عبدالله العمار
نظرية التعلق من أشهر ما أتى في الطب النفسي، وهي نظرية فكرتها المبسطة تَعلُّقُ شخص بآخر، أتى بها العالم النفسي جون بولبي وعرّفها أنها «اتصال نفسي دائم بين البشر»، فالاتصال الجسدي وحده لا يُعتبر تعلقاً، مثل أناس يصافحون بعضهم يومياً، والاتصال المؤقت ليس تعلقاً، كأن تشعر بالراحة تجاه شخصٍ ما. ونظرية التعلق تركز خاصة على الطفل وأن تعلقه بشخص معين (غالباً الأم) يؤثر على شخصيته بقية حياته وتحكم هذه النظرة علاقاته مع الآخرين سواءً اجتماعياً أو في الحب. راقب العلماء حياة أناس منذ الصغر ورأوا كيف تؤثر تصرفات الأم على شخصية ابنها حتى بعد عشرات السنين. مما عرفنا أيضاً أن هناك مادة اسمها أوكسيتوسِن درسوا تأثيرها ولاحظوا زيادتها في أوقات معينة، منها عند الولادة، حيث يزيد إفرازها بقوة. بعد البحث في هذا علموا أنه من المهم أن لا يُفصَل بين الأم ووليدها في الساعات الأولى من الولادة لأن الاثنين يدخلان مرحلة تأسيس روابط قوية في العقل والنفس لكن خفية لا نراها فوراً لكن دلنا عليها ذلك الهرمون.
وهذه مجرد طرق أخرى للتعبير عن شيء بسيط ولكن عميق المعنى: الحب. إنه من أعظم أوجه الحياة. وإن التجارب التي أجريت على الحيوان والإنسان وجدت الشيء نفسه: في الثدييات -وعلى رأسها الإنسان- فإن الحب شيء أساسي في حياة الوليد والصغير. القطط والكلاب والقرود التي حُرمت حب أمها كبرت وظهرت عندها مشكلات في تعاملها مع بني جنسها. الحب من الضرورات كالماء والغذاء، وفي دراسات لبعض وفيات الرضّع عرفنا أن صغير البشر يموت إذا حُرِم الحب والتواصل البشري (خاصة اللمس) وإن أُعطِي أفضل التغذية والعناية.
ليت الجميع يعرف ذلك. ليت ذاك الذي يضرب ويصرخ ويهين ويحطم صغاره يعرف ذلك. لقد خدع نفسه بأن أوهمها أن توفيره أساسيات الحياة لهم يكفي لينال جائزة «أفضل أب في العالم»، وتغافل عن كون الحب لا يقل أهمية عن هذه الأشياء.