فوزية الجار الله
لكم الفضاء الشاسع وما يحويه من مجرات وكواكب..
لكم الخمائل والأصائل والقمم المضيئة إن صدقتم وكان مساركم ثابتاً راسخاً مابين أقمار الليل ونجوم الظهيرة، هذا ما ستقوله لهم كلماتهم الباذخة الحضور وهي تحتشد سطوراً متتابعة بين أوراقهم، وهذا ما يعرفه الكتاب الذين كرسوا أنفسهم في سبيل الحرف والكلمة دون حياد عن نبل الأهداف ونقاء البصيرة والسريرة..
يتساوى الكتاب في كونهم أفراداً مخلصين في بلاط اللغة وفي محراب العلم والمعرفة، واقفين دائماً وأبداً على عتبة انتظار لانبلاج فجر الحقيقة، يتساوى الكتاب في هذا المضمار مهما كانت أصولهم ومعتقداتهم، لكنهم متفاوتون في الزمن الذي اكتشفوا فيه أنفسهم وفي البداية الحقيقية لهم من خلال نشر كتابتهم الأولى، وأيضاً يتفاوتون في نوعية إنتاجهم، بعضهم يكتفي بالنشر عبر الصحافة وبعضهم بدأ مباشرة بنشر الكتب وهم قلة، المتعارف عليه في مجتمعنا أن معظم الكتاب بدأوا بنشر إنتاجهم عبر الصحافة ثم توجهوا إلى تأليف الكتب وبعضهم كان مقلاً في تأليف الكتب من باب التواضع واختيار العزلة كما هو الأمر مع الكاتب السعودي حسين سرحان رحمه الله الذي قام بعض أصدقائه ومحبيه بنشر كتبه في أواخر حياته وبعضها بعد وفاته..
يصافح كاتب الزاوية الصحفية قراءه يومياً و أسبوعياً، هذا السيل المتدفق من الكلمات هل هو جدير بجمعه وإعداده وضمه في كتاب واحد؟!
لا أعتقد إذ إن من أهم شروط الكتاب الناجح هو أن يبقى فترة من الزمن بين أيدي القراء وكلما كانت القضايا المطروحة بين دفتي الكتاب قضايا إنسانية هامة وليست قضايا اجتماعية وسياسية تتغير بتغير الزمن وتغير السياسة وأحياناً تغير الأشخاص كلما كان أكثر قدرة على الصمود وأطول عمراً.. لو استعرضنا مسيرة الكتب الأدبية والثقافية بشكل عام عبر التاريخ سوف نرى جانباً من الكتب الخالدة وكثير من الكتب انقرض وانتهى بعد فترة قصيرة من نشره ولم يعد له وجود، نلاحظ ذلك في الكتب التراثية والحديثة، وإن كانت الكتب التراثية أكثر صموداً وأطول عمراً حيث تمضي القرون تلو الأخرى وهي باقية، يتم توارثها جيلاً بعد جيل، من الكتب التراثية الخالدة، العقد الفريد لابن عبد ربه وكتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، وألفية ابن مالك، وذلك العمل الأدبي الخالد « ألف ليلة وليلة» التي تعرضت لكثير من النقد خلال السنوات الماضية وفي بعض البلدان تم التحريض على حرقها! هذا إضافة إلى كتب السيرة الذاتية والمعاجم العربية التي لا تتغير لكنها تحتاج إلى تعديلات بسيطة بمرور الزمن لإضافة مفردات أخرى تستجد تبعاً لحداثة الزمن، أما من أمثلة الكتب الحديثة التي تبقى في أيدي القراء بضعة عقود حسب أهميتها وجودتها لتي تشمل اللغة والمحتوى، هناك رواية سارة للعقاد، مدن الملح لعبدالرحمن المنيف، السجينة لمليكة أوفقير. خلاصة القول ليست كل الكتب تبقى، ثمة كتب تحمل حتفها بين دفتيها منذ بداية نشرها، تعددت الأسباب والحتف واحد.