رمضان جريدي العنزي
اهتم الإسلام بالعلم؛ إذ إن أول كلمة نزلت على رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - هي (اقرأ). وهذه دلالة واضحة ومؤشر مهم على أهمية العلم والتعلم في الإسلام؛ إذ يعتبر العلم عماد الدول، والسبب في تطورها وتقدمها ورقيها؛ فالمجتمعات المتعلمة والمتحصنة بالمعرفة هي مجتمعات قوية مهابة، تحسب لها المجتمعات الأخرى ألف حساب؛ لأن في التعليم الكثير من التطور والاختراعات والاكتشافات التي تزيد من رفاهية الإنسان وقوته ورقية ورفعته وتمكينه.
إن التعليم عندنا قد مرَّ بمخاضات عدة نتيجة أسباب متنوعة ومختلفة. وهذه سُنة الاجتهادات والمحاولات والتغيرات والرؤى.. ولكي نرتقي بالتعليم عندنا نحو الطموح الذي نبتغي ونأمل ونريد يجب أن نهتم بالمعلم أولاً وآخرًا، نفسيًّا ومعنويًّا، ماديًّا وأسريًّا وصحيًّا؛ لكي يؤدي رسالته التعليمية على أكمل وجه وهو بحالة طيبة، ونفسية غير وجلة.. فحل مشاكل المعلم وتنفيذ طلباته وحمايته، ولَمّ شمله مع أسرته من بعد شتات طويل، ورفع مكانته اجتماعيًّا، وتقديره وتكريمه في المحافل المتعددة، ومساعدته وتهيئة السبل له، ستكون الدافع نحو الإبداع والإنتاج والعطاء، ورفع شأن العلم في التخصصات كافة.
إن التعليم يمثل الحلقة الرئيسية في عملية النهوض الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي؛ لذا يجب إعطاء المعلم الدور الريادي في هذه العملية المهمة. وعلى هذا الأساس ينبغي أن يأخذ المعلم أولوية الاهتمام والعناية، اختيارًا وإعدادًا وتدريبًا، وفق تشريعات واستراتيجيات وخطط وبرامج، تهدف لتوفير أفضل الظروف والمناخات التي تضمن للمعلم أفضل أداء. ومن منطلق أن التعليم مهنة حياة فلا بد أن تأخذ كبير الاهتمام من وزارة التعليم لتوفير آليات الدعم الحافزة للمعلم؛ لكي يصبح أداؤه إيجابيًّا ومتميزًا، وله انعكاسات قويمة وسديدة. إننا مجتمع ينحو نحو الحداثة بكل تفاصيلها وسرعتها، وعلى وزارة التعليم أيضًا أن تنحو بالمعلم نحو هذا الاتجاه الأفقي، وتأخذ بيده، وأن تكون له المساعد والمعين؛ لكي يتحقق للمجتمع ما يصبو إليه. وعليها أيضًا تكثيف تدريب المعلم وتأهيله وتثقيفه بشكل متتابع ومستمر ودائم، واختيار القيادات المدرسية اختيارًا دقيقًا، وتطويرها مهنيًّا وتربويًّا بما يساعد هذه القيادات على اتخاذ القرارات الفاعلة والصحيحة والسليمة. إن الحاجة ماسة للوقوف مع المعلم والنظر إلى حاله بجدية متناهية بعد سنوات طويلة من المطالبات؛ وذلك نظرًا إلى أهمية المهنية التي يمارسها المعلم، والحرفية الصعبة التي يمتهنها ويديرها.
إن على وزارة التعليم أن تعمل أيضًا على تغيير النظرة الاجتماعية لمهنة المعلم؛ لتصبح مهنة جاذبة للمتميزين من الراغبين بجدية في ممارسة عملية عظيمة، تعد الأساس في مشروعات النهوض بتنوعاته كافة. إن إعادة النظر في الأشياء السلبية التي يعانيها المعلم، ومن ثم تعديلها بما يتوافق وترقية التعليم، تُعد عملاً إيجابيًّا لا لبس فيه ولا شُبه. إن تحقيق متطلبات المعلم يعني أن تمنحه الحافز نحو العطاء، والانسياق نحو الإبداع. إن التعليم عملية خطيرة، تحتاج للكثير من القرارات والتشريعات القويمة لضمان تحصين مهنة التعليم على قواعد ومرتكزات واستراتيجيات لها أهدافها ومضامينها الثابتة.. لا تشمل الإطار المدرسي فقط بل تتجاوزه نحو السياقات الوطنية والعالمية. من هنا يأتي وجوب الاهتمام بالمعلم؛ ليستشرف المستقبل بكامل أبعاده وعناصره متناغمًا ومتناسقًا مع الرؤية الاستراتيجية للمجتمع كله متمثلاً في خطط إنمائية وتنموية شاملة.
إن المدارس هي المكان الذي يمارَس فيه التعليم والتعلم، حيث المعلم والطالب؛ لذا لا بد أن تكون مكانًا آمنًا بدنيًّا ونفسيًّا، ومرفقًا مؤهلاً ومصممًا أصلاً للتعليم وتلقي العلم.. فالأبنية الملائمة والمكتبات المدرسية والمختبرات العلمية والتجهيزات الرياضية والفنية الداخلية والخارجية وأماكن الاستراحة والطعام والاجتماع.. كلها مرافق ينبغي أن تكون في المدرسة، وأن تتفق ومعايير مدرسة المستقبل التي توفر فرص التعليم الفعال.
إذن، المدرسة مكوِّن أساسي من مكونات التعليم الجيد والفعال. ومن غير توافر مكونات التعليم ولوازمه لا يمكن للمعلم مهما كان تأهيله وإعداده أن يقدم أداءً مقبولاً.
إن على وزارة التعليم الموقرة تكثيف جهودها نحو المعلم، وعليها وجوبًا أن تستدير له بكامل الاستدارة؛ لأن المجهود الذي يبذله جبار، والمهنة التي يؤديها مقدسة، وهو يستحق الكثير، وفي الوقت نفسه يأمل القليل من هذا الكثير.
وأخيرًا «المعلم أولاً» شعار أطلقته وزارة التعليم قبل سنوات. نأمل أن يطبَّق هذا الشعار على أرض الواقع المعاش؛ لكي تحدث طفرة واقعية للتعليم والمعلم.