عروبة المنيف
شاءت الأقدار أن ألتقي في مدينة لوس أنجلوس بأمريكا مع أحد أصدقاء ابني المبتعث هناك. فيصل، ذلك الشاب اليمني، طالب اللجوء، الذي قد بدا عليه بأنه في أول العقد الثالث من العمر، شاب يتمتع بروح الصلابة والقوة والعمل الجاد.
لقد حكى لي كيف كافح واشتغل بعد أن وصل لتلك المدينة هارباً من ويلات الحرب الدائرة في بلاده. فقد عمل بأقل المهن تواضعاً، كسائق أوبر، أو نادل في مطعم، أو بائع في كراج سيارات..، وغيرها من مهن بهدف كسب قوت يومه. لقد طلب اللجوء السياسي لتصبح إقامته نظامية، فأعمال والده كانت قد تضررت في اليمن من جراء الحرب، حيث نهب الحوثيون جميع ما يملك!.
قصة ذلك الشاب وعائلته ممن أصبحوا طشارى «تعبير عن اللاجئين العراقيين كما وصفتهم الروائية العراقية إنعام كجه في روايتها طشارى» في بلدان الشتات، تدعونا للتفكير بملايين الحكايات عن اللاجئين، لنرى الوجه القبيح للحرب، لا وجه الربح والخسارة، بل وجه المآسي، وجه الحكايات المؤلمة لعائلات بأكملها عانت الويل والذل والقهر والجوع وما زالت تعاني، سواء في داخل أوطانها التي أنهكتها آلة الحرب، أم في خارجها ممن يستجدون العيش الآمن. هذا على افتراض أن الهاربين من نيران الحرب قد وصلوا إلى بر الأمان في بلدان اللجوء ولم يغرقوا في بحر أو لم يتاجر بهم من قبل عصابات الاتجار بالبشر!. فليس كل من فرَّ من ويلات الحرب قد نجا وعاش عزيزاً في بلدان اللجوء، بل إن غالبية اللاجئين من النساء والأطفال، ممن يعيشون متوسلين لأبسط الحقوق الإنسانية كحق الإقامة والعيش. ولكنهم كانوا قد ضمنوا حياتهم وأمنهم على أقل تقدير!.
هل من خاسر لهذه الحرب غير الحوثيين؟ سؤال جال في خاطري بعد حديثي مع ذلك الشاب اليمني. على الرغم من أن عصب الحرب هو المال والسلطة!. فقد استعرضتُ الحروب التي طحنت الشعوب العربية المجاورة في العقود الأخيرة، وتساءلت، ماذا جنت إيران - على سبيل المثال - من هوس الحرب بالوكالة الذي أصابها نتيجة لأطماعها في الجوار العربي؟ بل خسرت في الداخل كما في الخارج. فالشعب الإيراني يعاني في الداخل من اقتصاد منهك، فقد هجرت الكفاءات وانخفض مستوى المعيشة مما أدى إلى إفقار جماعي للسكان. أما الدول العربية، مسرح حروب إيران، فحدث ولا حرج، من دمار للبلاد وهدم للمنجزات وإبادة ونزوح للشعوب وتهجير للكفاءات!!. فمن يدمر مقدرات بلده ليحصل على أي مكاسب من أي نوع هو خاسر، ومن يهجر كفاءات بلده هو خاسر، ومن يقتل ويشرد بني جلدته هو خاسر!!. إنهم تجار الحروب المتاجرون بأرواح البشر في سبيل مكاسب مؤقتة، تلك المكاسب، هي الطعم الذي تجرعوه ليشهدوا على جنازة أوطانهم بأعينهم.!.
في حديثي مع ذلك الشاب اليمني طالب اللجوء، شعرت بالنيران التي أشعلها الحوثيون في بلده، قد تسللت إلى قلبه وفكره. فقد قال لي إن الحرب فتحت عليهم أبواب الجحيم، فأي حرب مهما كانت «أولها شكوى، وأوسطها نجوى، وآخرها بلوى». ففي الحرب الجميع أسرى!.