د. خيرية السقاف
يتعامل الناس الآن بلا مبالاة ببعض قواعد آداب السلوك مع حالات الآخرين الفردية، التي عرف عنها في منظومة فضائل الأخلاق أنها «السِّتر»، و»قضاء حوائج الناس بالكتمان»، وذلك بعدم إحراجهم بالتشهير بأوضاعهم في حالة أن تكون عوزاً مادياً، أو مرضاً معيقاً، أو بلاءً نازلاً، أو عجزاً محرجاً، إِذ ركبت الكثرة من الناس موجة التشهير بحالات لا ينبغي أن تتعرض لهذا السلوك، والتسرع في التعريض بأوضاعها، لاسيما تلك الشخصيات التي لا أحسب أنها بعد عزها، ونجاحها، وشهرتها، وعطائها ترضى بأن تُعرض لمرأى عامة المرتادين شبكات التواصل، حين تُقتحم بيوتهم، وأسترة صبرهم، حتى إن كانوا بحاجة لمد يد العون، غير أنهم في غنى عن الشفقة ممن لا يملكون لهم غير نشر أوضاعهم، والتباكي على مآلات صحتهم، وفاقتهم، وعجزهم..، فيسعي هؤلاء لهم بهتك أستار صبرهم، والتعريض بحالاتهم تشهيراً يضعهم في مقارنة سافرة بين صور جميلة كانت لهم في الذاكرة، فإذا هم مقعدون في فاقة، عاجزون في عوز، تغيرت ملامحهم، ووهن عزمهم وعزهم، حين تكشفت الصور عن بيوتهم، وكسائهم، وملامحهم، وأمراضهم، وعوزهم، وعجزهم بدعوى المطالبة لهم بمن ينتشلهم من عوز المادة، والحاجة إلى البلسم، والفاقة إلى الإيواء، وفي هذا استجداء لا يليق بالإِنسان أي إِنسان، فكيف بمن صيته تمادى، وبصماته محفورة، واسمه يرن في المسامع، ولا يسقط عن قوائم في مسيرة المجتمع، وحقب الوطن؟!..
إن هذا السلوك ممن يتسارعون في هتك أوضاعهم مشين، مشين، لا يرقى للهدف منه، ولا يبلغ الغاية به..
هذا السلوك في التعامل مع «المشاهير» تحديداً، بل مع جميع طيوف الناس باختلاف أوضاعهم جاء مع طفرة النشر السريع، المدعم بالصورة، والصوت، والحركة، وإنني أرى أنه يخدش القيم، ويمس العلاقات النبيلة، ويثلم المشاعر العفيفة، ويعرِّض الذين يقعون فيه فاعلين للمساءلة عن كمية الألم، والحرج اللذين وضعوا فيهما من جاء تحت رحمة اندفاعهم بدعوى المساعدة من جهة، ويعرض الواقعين فيه المفعول بهم للضعف أمام ظروفهم، والاستلام مع الجرح لحاجة الموقف..
وفي أدبيات مكارم الأخلاق قائمة طويلة تربأ بالمرء أن يكون ريحاً تدك أغصاناً جففها اليباب!!..
في المعادل، فإن جهة مسؤولة تكون مرجعاً للمرء، ولعلها أن تكون ذاتها دائرة عمله، أو مجال اختصاصه كوزارة الثقافة، ووزارة الإعلام على سبيل المثال تتوليان شؤون حالات منسوبيهما الطارئة، وفيهم المشاهير الذين أسسوا بناء مرجعياتهما، تخضعان أوضاعهم لآلية منظمة، سريعة، وحافظة لحقهم في العلاج، أو سداد الدين، أو إيجاد المأوى، وإخراجهم من مآزق الحياة ليُحفظ لهم ماضيهم في كرامة، وستر..
إن حسن النية وارد وأكيد فيما ينشره المتفاعلون مع هذه الحالات، غير أنه سلوك طارئ لا يتفق مع النية في مظهرها.