د.عبدالله مناع
لست متفائلاً... بـ(نتائج) حوار «السويد» الذي بدأ في - محطته الثالثة بعد «جنيف» و«الكويت»- يوم الأربعاء الماضي في العاصمة السويدية (استوكهولم): مدينة نوبل لـ (السلام) و(الآداب) و(الطب) و(الكيمياء) و(الفيزياء)، لأن طرفي النزاع: (الشرعية اليمنية) من جانب.. و(المليشيات الحوثية) الانقلابية في مقابلها.. ينطلقان من منطلقات مختلفة.. بل و(متصادمة) في هذا (النزاع)..؟!
فـ(الشرعية) اليمنية التي انطلقت بعد موافقة اليمنيين جميعا على (المبادرة الخليجية) برعاية: الملك عبدالله بن عبد العزيز - طيب الله ثراه - في الثلاثين من نوفمبر من عام 2012م لانتقال السلطة سلمياً من الرئيس السابق (علي عبدالله صالح) إلى نائبه (عبدربه منصور هادي)، الذي جرى انتخابه ديمقراطياً بعد ذلك في فبراير من عام 2013م، وأدار اليمن مع (حكومة الوفاق الوطني).. المشكلة مناصفة من حزبي: (المؤتمر) و(أحزاب المعارضة اليمنية) برئاسة (محمد باسندوه).. إلى أن انتهت المرحلة الانتقالية بـ(مخرجات الحوار الوطني الشامل) الذي شاركت فيه - ديمقراطياً - صفوة اليمنيين.. تؤمن بـ (المبادرة الخليجية)، وبـ (مخرجات الحوار الوطني الشامل)، وبـ(قرار مجلس الأمن رقم 2216)، الذي أيد المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني التي دعت إلى قيام دولة (وحدة يمنية فيدرالية من ست مقاطعات).. بينما (الحوثيون) الذين خرجوا بداية من مقرهم في (صعدة).. بمظاهرات وطنية تطالب بـ (عودة أسعار المشتقات البترولية) إلى ما كانت عليه، و(بتطبيق) مخرجات الحوار الوطني.. سرعان ما انقلبوا على ذلك، بعد انضمام الرئيس السابق علي عبدالله صالح إليهم.. بـ (أمواله) وبقية نفوذه على القوات المسلحة اليمنية وعتادها.. ليتم لهم الاستيلاء على الوزارات والمصالح الحكومية.. بل وعلى العاصمة اليمنية نفسها (صنعاء)، وبقية مدن اليمن الشمالي الرئيسية كـ(تعز والحديدة)، لتتراجع في ظل هذه التطورات مطالبهم السابقة ويحل محلها سقف أعلى من المطالب في حكم اليمن ولو بـ(القوة) التي جربوها في استيلائهم على (صنعاء).. إلى أن اكتشفوا بأن انضمام الرئيس علي عبدالله صالح إليهم.. إنما كان بهدف استخدامهم جسر عبور لعودته إلى «السلطة» هو.. أو ابنه (توريثاً)، ليغتالوه بتلك الصورة البشعة التي لا تنسى.. ليخلو لهم الطريق لحكم اليمن، ولذلك فهم لا يريدون (المبادرة الخليجية)، ولا (مخرجات الحوار الوطني الشامل)، ولا (تطبيق قرار مجلس الأمن 2216) الذي يدعوهم إلى العودة إلى (صعدة) وتسليم الوزارات والمصالح والسلاح والأموال التي استولوا عليها إلى (الشرعية)..، والدخول إلى تطبيق مخرجات الحوار الوطني، التي يتصدرها (الاستفتاء على دستور اليمن الجديد).. فـ(إجراء انتخابات رئاسية) فـ (تشريعية)، لتقوم عليها أول حكومات (جمهورية اليمن الفيدرالية) الجديدة.
وتبعاً لاختلاف منطلقات طرفي النزاع.. كان لقاء جنيف الأول.. هو أول(حوار للطرشان) !!، فلم يسفر عن أي نتائج إيجابية.. حتى ولو بإطلاق سراح المعتقلين والمختطفين.. ثم كان لقاء جنيف الثاني الذي لم يختلف عن سابقه.. فلقاء ومشاورات «الكويت»، الذي اكتشف الكويتيون بعد شهرين من مراوغات الحوثيين إنه مضيعة لـ (الوقت).. لا أكثر، وتثبيت لـ (مواقع الميليشيات الحوثية) في (النزاع).. فاعتذروا عن استكماله.. ليأتي لقاء (استوكهولم) الجديد الذي لن يختلف عن سابقيه لأن مرتكزات الطرفين ومواقفهم بقيت على ما كانت عليه..؟!
* * *
ومن المؤكد أن المبعوث الأممي الجديد (السفير مارتن جريفيث) وهو أحد الخبراء في النزاعات السياسية.. أدرك ذلك.. منذ تعيينه خلفا للمبعوث الأممي السابق (إسماعيل ولد الشيخ أحمد)، الذي أفسد المهمة الأممية.. بدعوته لـ (الحوثيين) للمشاركة في مؤتمر جنيف الأول لحل (النزاع) مع (الشرعية اليمنية).. وعلى قدم المساواة معها !! لتطبيق (اتفاق السلم والشراكة) الذي كتبوه ووقعوا عليه، وأجبروا الرئيس عبدربه منصور هادي على توقيعه.. ليرفضوا تطبيقه بعد ذلك.. بل ويضربوا (قصر الرئاسة اليمنية) بالمدفعية الثقيلة التي وضعها في خدمتهم، الرئيس المتنازل عن رئاسته لعامين.. بموجب (المبادرة الخليجية) التي وافقوا عليها.. ليفر (الرئيس عبدربه) من قصر الرئاسة.. ناجياً بحياته إلى محافظة (سقطرى) بـ(ملابس نومه) ومنها إلى (عُمان).. ومنها إلى العاصمة السعودية (الرياض) التي انطلقت منها (المبادرة الخليجية) التي أيدتها الأمم المتحدة ومجلس أمنها.. وهو ما يتكرر من (المليشيات الحوثية)، في كل اتفاق يتم التوصل إليه، فقد أطلق المبعوث الأممي الجديد(مارتن جريفيث) عند تكليفه بـ (المهمة) وكأي دبلوماسي محترف.. يحترم مهماته: (تعهدا) بـ (العمل الجاد لتسيير العملية السياسية على أساس (المبادرة الخليجية) المعتمدة دولياً، و(مخرجات الحوار الوطني الشامل)، وقرار مجلس الأمن 2216 الصادر عن مجلس الأمن الدولي).. دون أن يشير إلى صدوره تحت الفصل السابع، ثم قام بتسليمه - في فبراير الماضي - لـ (طرفي النزاع):(الشرعية) اليمنية في «الرياض» - قبل عودتها إلى العاصمة المؤقتة «عدن» - ليتلقى استجابة فورية منها.. وتأكيداً على دعم «التعهد» والالتزام به.. بينما لم يتلق من (المليشيات الحوثية) الانقلابية المستولية على «صنعاء» أي رد بـ (الموافقة) أو الاعتراض على «تعهده».. لتمضي الشهور من فبراير إلى أكتوبر الماضي.. ومعها كانت تتداعى الأوضاع اليمنية إلى أسوأ درجاتها.. بما يهدد الشعب اليمني بـ (كارثة إنسانية) لم يشهد العالم مثيلاً لها من قبل.. مما جعل الأمم المتحدة تطالب المجتمع الدولي والدول الكبرى خاصة للتدخل في هذا (النزاع)، وبلوغ اليمن مرحلة الانهيار الكامل.. فكان إن تقدمت الولايات المتحدة الأمريكية بـ (مبادرة) من (مقترحين) لحل النزاع : وقف إطلاق النار بين الطرفين خلال شهر نوفمبر الماضي.. فجلوس طرفي النزاع لصياغة الحل السياسي له.. فكان أن تقدمت (السويد)لـ (استضافة) جلسات الحوار لحل النزاع بين طرفيه، وهو ما بنى عليه المندوب الأممي «جريفيث» رغم أن وقف إطلاق النار لم يتحقق بالصورة المرجوة، فقد ظل الحوثيون يخترقونه صباح مساء مع استمرارهم في إرسال الصواريخ البالستية صوب مدن المملكة الحدودية مع اليمن.. إلا إنه ظل يلح في طلب التوجه إلى(استوكهولم).. فلم يستجب الحوثيون له إلا بعد إن سمحت قوات التحالف العربي المساندة لـ (الشرعية)، والمحاصرة للموانئ البحرية اليمنية.. بنقل (خمسين) من جرحى الحوثيين بحراً.. إلى (عمان) لتلقي العلاج فيها!! إذ لولا ذلك لما قدم الحوثيون إلى (استوكهولهم) برفقة المندوب الأممي (جريفيث).. على إحدى طائرات الأمم المتحدة مساء الثلاثاء الماضي، ليصل مساء الأربعاء الماضي وفد (الشرعية اليمنية) برئاسة وزير خارجيتها (عبد الملك المخلافي).. لتبدأ مناقشات (الحل السياسي) برعاية وزيرة الخارجية السويدية والمندوب الأممي لليمن (مارتن جريفيث)، والذي لن تكون نتائجه - في الغالب - وفق الآمال المعقودة عليه -!!
* * *
فـ(الحوثيون) لا يريدون حلاً سياسيا لـ(النزاع) وإن تظاهروا بذلك.. ولكنهم يريدون (حكم اليمن) بـ(القوة) وبـ(ديكتاتورية مذهبية) جعلتهم يبيعون من قبل (زيدتهم) العريقة واستبدلوها بـ (اثني عشرية) شيعية لا يعرفها اليمنيون لـ (شراء) الدعم الإيراني لهم.. وهم يحاولون بـ(عنادهم) إلى دفع (الشرعية) وتحالفها العربي إلى حرب برية لاسترداد ما استولوا عليه بـ (القوة) والبطـش والاختطاف.. من مدن وأموال وعتاد.. دون أن يعنيهم عاش من عاش أو مات من مات من أبناء الشعب اليمني المغلوب على أمره..!
ولكن الحوثيين - الجهلاء في السياسة - وفي غمرة حماسهم لـ (مشروعهم).. نسوا أن قرار مجلس الأمن 2216.. قد صدر تحت الفصل السابع، وهو ما يتيح للمندوب الأممي (جريفيث) استخدام (القوة) لإنفاذه سواء باستخدام مراقبين أمميين لمراقبة وقف إطلاق النار، أو باستخدام قوات أممية لحفظ السلام وتطبيق بقية مفردات قرار مجلس الأمن 2216!؟ وهو ما يعطي محادثات (استوكهولم) أهميتها القصوى والتي ستتبخر معها أحلام الحوثيين في الانفراد بـ (حكم اليمن).. مع عودتهم إلى مقرهم في صعدة، وعودة (الشرعية) إلى عاصمتها التاريخية صنعاء.. لتقوم بعدها أولى حكومات دولة «الوحدة الفيدرالية اليمنية الجديدة» بمن يستحقونه من رجالات اليمن وعقلائه، وليس بهؤلاء الحوثيين الإرهابيين.