د.ثريا العريض
اليوم وفي ذكرى وفاة والدي إبراهيم العريض -رحمه الله- قبل 15 عاماً، عن عمر قارب القرن، حيث بدأه شابًا عملاقًا مثقفًا ترك أثره في تنمية ثقافة المجتمع مؤسسًا لمدرسة أهلية تطوعية، مجدداً مصراً على منهج حديث يضيف العلوم وجغرافيا وتاريخ العالم والحضارة الكونية واللغة الإنجليزية والأدب والتمثيل المسرحي. وأنهاه دبلوماسيًا رئيسًا للمجلس التأسيسي الذي وضع أول دستور لدولة البحرين بعد أن تحررت من حكم الإنجليز. عايش تأسيس مجلس التعاون والعواصف الإقليمية والمحلية؛ طموحات الشباب العربي, وشعارات وانحرافات ميول أحزابه دينيًا وقوميًا يمينًا ويسارًا, وأحزان الوطن وتراجع وتصدع الأمة العربية والإسلامية, من نكبة احتلال فلسطين إلى القاعدة وتفجيرات أبراج التجارة, وكل معاناة الخليج من الطائفية والإسلاموية إلى غزو الكويت ثم غزو العراق وسوريالية العنف اللاحق.
توفي متشائمًا وقد يئس من أن تتغير العقليات من الصراع على الهيمنة بدلاً من التعاون البناء. ورثيته وقتها في قصيدة «الدعاء الأخير»:
* قلتَ لي:
- إذ تمنيتُ أن يطولَ بكَ العمرُ -
(لا يا ابنتي
سوى انه أجل بقضاء من الله
لا رغبةً أن أؤجل يومي عن موعدٍ مسبقٍ
وانتظر الارتحالَ الأخيرَ الى رحمة وفضاء)
* قلت لي يومَها:
(أمّتي وجعي يا ابنتي
قارب العمر قرناً وما شارفت أمّتي وعدها
دربُها انحدارٌ عن العنفوان
ولا أملا واعدا بارتقاء
وينعقد الدرب حتى ثمالة علمي به
وحلمي يرتدّ في الحلق
لا يتحقق نصرٌ..
ولا أمّتي تتوضّحُ رؤيتُها لكي نستعيد الرجاء).
* قلتَ لي:
(يا ابنتي سأموتُ وقلبي منفطرٌ
يحاصرني الاحتشادُ بأحزانِها
وما زلتُ في حسرتي
أمتي تتناوبها صفعاتُ الرياح
حاصرت أفقَنا الرازحاتُ ولم نستوِ بعد
كلُّ الصفوفِ فلولُ
وغضبتُهم خارج الاحتواء).
* قلتَ لي:
(هو دربٌ يسير إلى حتمِه
لا يعود إلى بدئَه الغضِّ
لا يترفّقُ بالواقفين
لا يتسامحُ والغائبين عن الوعي
لا خيارَ لمن يكتفي باختيار الوراء).
* قلتَ لي: (قد تعبتُ
من الوقفةِ المستديمةِ عند الكلام الأخير
ولا شيء بين السطور واعدٌ بانجلاء.
أتآخى هنا وجعَ الليل أو وجعاً في النهار
لا جسدي يتحامل كي يتجمّل
ولا الروح راضيةٌ بالبقاء
فادعِ لي يا ابنتي ألا أطيل المكوثَ هنا
- دار حزن طويل -
أن أعودَ إلى رحمة الله حين يشاء).
* قلتَ لي يا أبي
«وها أنا أفتقد الصوت إذ أستعيد الدعاء
إلى رحمة الله يا أبتي ودار البقاء»
ترى لو عاش والدي حتى الآن.. هل كان سيغير رأيه من اليأس من أمته إلى التفاؤل؟
لا أشك أنه لو أدرك الريادة والرؤى التي حققت معجزات كان يحلم بها خليجياً وعربياً, لعاد كما كان في شبابه يحتدم بالتفاؤل ورغبة البناء.