د. محمد عبدالله الخازم
«هناك ظاهرة بدأت تتنامى في كثرة شكاوى الطلاب خارج أسوار جامعاتهم على قضايا بسيطة يمكن حلها أو تجاوزها. والنتجية أن الطالب يخسر القضية ويخسر الدراسة. هنا تغيب الحكمة والرشد في التعاطي مع الإشكاليات الأكاديمية. بالتفاهم لا بالتصادم تحل المشكلات». النص السابق هو للأستاذ الدكتور أحمد العامري وكيل جامعة الملك سعود، الرجل الثاني في أكبر جامعة سعودية، وقد وجهت له أسئلة حول الموضوع متمنياً أن يساعدني - كصديق- في كتابة هذا المقال وبالذات وقد عبَّر عن رغبته في الحوار، لكن يبدو أن أسئلتي كانت صعبةً فتجاهلها.
مجرد الاعتراف بوجود المشكلة من قبل المسؤول يعتبر تقدماً، في وقت كانت تستنكر فيه إشارتنا إلى المشكلات الطلابية و مطالباتنا ببناء منظومة حقوقية طلابية في الجامعات السعودية. طلبت من سعادة الدكتور تأكيد الأمر بالإحصاءات، لأن مصطلح ظاهرة يجب أن يستند على حقائق وأرقام ولا أحسب أن أستاذ البحث والإدارة ورئيس المجلس العلمي يطلقه دون مرجعية ودون إسناد علمي. ربما لم يتجاوب سعادته مع أسئلتنا خشية المسؤولية لذا نوجه الأسئلة لإدارة جامعة الملك سعود وبقية الجامعات.
هل من المعقول بذل الطالب للجهد وربما المال والوقت لرفع شكوى ضد الجامعة وفي جهات خارجها كما أشار سعادة الوكيل، لو تيسر له فعل ذلك داخل الجامعة أو كانت لديه الثقة بالنظام والإجراءات داخل الجامعة؟ يتحدثون عن لجان طلابية وآليات في الجامعات، لكنها تصنع من طرف واحد دون تغذية راجعة من المستفيد ودون عمق تنظيمي وحقوقي يفصل بين المشتكي والمشتكى عليه. تصريح سعادة وكيل الجامعة لو فحصناه ينبئ عن آلية تفكير المسؤول في مسألة حقوق الطلاب؛ فقد قلل من مشكلات الطلاب وأعتبرها بسيطة واقترح على الطلاب تجاوزها بدلاً من حثهم على المطالبة بالحقوق ووعدهم بالإنصاف. بل إن تصريحه مبطن بالتخويف أو التهديد بأن الطالب سيخسر القضية والدراسة بدلاً من طمأنته بأنه لن يضيع له حق يطالب به. مسكين هذا الطالب يتعالى عليه المسؤول فيزرع فيه فكرة أن الصمت وتحمل المعاناة هو نوع من الحكمة والرشد. أعتذر لسعادة الوكيل فالكلمات هي الخيل التي يركبها الفارس، وتلك كلماته التي من حقنا تفسير مضمونها، بصفتها صادرة من مسؤول مهم في جامعاتنا.
سبق أن كتبت عن تواضع المنظومة الحقوقية وغياب منظومات المجتمع المدني بالجامعات السعودية، وأكرر مطالبتي - افردت لذلك فصلاً في كتابي «جامعة 2030»- بتأسيس مؤسسات المجتمع المدني الجامعية على المستوى الطلابي وعلى مستوى أعضاء هيئة التدريس وعلى مستوى المؤسسات الأكاديمية. نريد مؤسسات مجتمع مدني حقيقية باستقلالها وتمثيلها لصوت منسوبيها والدفاع عنهم. إذا أردنا جامعات ذات مستوى متقدم فعلينا التحرر من الخوف في تبني نماذج جامعية حديثة تمنح الثقة لطلابنا وأساتذتنا وتعطيهم حقهم في صيانة حقوقهم وفق أنظمة حديثة متطورة. علينا تحليل ودراسة وإصلاح وتطوير المنظومة الطلابية في جامعاتنا، حقوقياً وأكاديمياً واجتماعياً، وإلا فلا معنى لتصنيفات دولية وأبحاث عالمية تعالج ثقب الأوزون ولا تعالج مشكلاتنا داخل بيتنا!