عطية محمد عطية عقيلان
تتطور أجهزة الرقابة في مختلف دول العالم لمراقبة الأسواق والشركات الخدمية لضمان عدم تعرُّض المستهلك للغش في المنتجات أو الخدمات، وشُرعت الكثير من القوانين والأنظمة للمحاسبة، وأُنشئت العديد من الجهات الحكومية والخاصة لتطبيقها، وتجوب الشوارع الدوريات والمراقبون لضبط المخالفين، وتغريمهم، وتطبيق القوانين، مع توفير مكاتب وأرقام تواصل للمستهلك لتقديم شكواه عند تعرُّضه للغش التجاري.
ولكن للأسف في الجانب الإعلامي يمارَس الغش والاستغلال ليل نهار، ويجابَه بجهود محدودة، وعقوبات وتشريعات خجولة، لا تتناسب مع حجمه وتأثيره على الأفراد والمجتمعات؛ فعجت وسائل التواصل الاجتماعية (كشف تقرير عن موقعَي وي آر سوشيال وهوتسويت أن أكثر من نصف أعداد سكان العالم الآن مرتبط بالشبكة العنكبوتية)، إضافة إلى البرامج الحوارية في وسائل الإعلام المختلفة، بالتنظير على الأفراد، وتمرير معلومات مغلوطة، وزيادة التعصب، وبث العنصرية والكراهية والتشكيك والتخوين، إضافة إلى نشر وإعادة نشر أو التغريد بكل معلومة، وكأننا في سباق محموم لبث المعلومات دون تدقيق أو تمحيص، مع ممارسة جهات منظمة بث الشائعات وفبركة الأخبار، وسَوْق الأدلة وإقناع المتلقي بقصص وأخبار قليلها صحيح، وكثيرها افتراءات وتأويلات.. وساعدت التقنية في التلاعب بالصور والفيديوهات.
وظهر نمط جديد من نجوم الإعلام الجديد مستغلين متابعيهم لبث ونشر إعلانات وأخبار، وحبك قصص، وتدعيمها بصور ولقطات، يثبت مع الأيام فبركتها.. فنرى عشرات الرسائل والقصص والتغريدات إما مجتزأة أو مفبركة، تمارس التضليل والاتهام، سواء لدول أو أفراد، والنَّيل منهم، ورشقهم بالتهم والافتراءات.. وكأن هذه التهم هي وجهة نظر دون تقدير لأثرها وعواقبها الوخيمة. وقد ساعد في ذلك السماح باستخدام أسماء وألقاب وصور وهمية، لا يُعرف بسهولة من قام ببثها معتمدًا على بساطة وسذاجة المتلقين دون تدقيق منهم، مع قيامهم بإعادة الإرسال أو النشر.
وقد مارس بعض رواد الإعلام الحديث أدوارًا خطيرة في العبث بعقول الشباب، وتوجيههم، وتضليلهم، والتشكيك بدولهم وإنجازاتها، وتحويلهم إلى متشائمين سلبيين، يحكمون على الواقع برؤية مَن يضللهم.. وصارت أدوات هدم وتضليل، مع إتاحة الفرصة للعموم للتنظير، وبث أفكاره واتهاماته دون رادع ومحاسبة وغرامات تجعل من يروج لسلعة أو اتهام أو تعصب أو ازدراء يفكر في أن هناك محاسبة جادة، ورصدًا لكل ما يقوم به (وقد رأينا تجربة الكاميرات في إشارات المرور الشوارع كيف ضبطت سلوك السائقين).
وتنبهت الكثير من الدول إلى أهمية مراقبة تقنين الكثير من الأنشطة التي يقوم بها الإنسان؛ فعلي سبيل المثال: أُنشئت في أمريكا شرطة الأسواق المالية لملاحقة المحتالين في الأسواق المالية، وتوجه لهم غرامات وتهمًا جنائية لضمان إلى حد ما عدم التلاعب في الأسواق المالية.
هل نشهد شرطة الوسائل الإعلامية وكاميرات رصد آلي لملاحقة المحتالين والمضللين والغشاشين، ومحاسبتهم فيما ينشرونه أو يعيدون بثه؛ ليراجع كل شخص نفسه، ويحسب ألف حساب قبل أن يطلق سهامه واتهاماته؟ أملنا بأن نرى قريبًا ملصق حساب (مغلق للغش الإعلامي).