«الجزيرة» - علي سالم:
منذ أن بدأ الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - رحلة توحيد هذه البلاد وضع أسس وأهداف الدولة الجديدة.. حيث بدأ بتوحيد الرؤى وإنهاء التنافر بين القبائل ودمج الصفوف لتشكل الكيان الموحد الجديد.
لينتقل بعد تلك المرحلة إلى تشكل التحالفات مع الدول الأخرى وتوحيد شعوبها وتصفية الخلافات لتكون إقليماً موحداً قادراً على مواجهة التدخلات الخارجية.
ومن جهود الملك عبدالعزيز - رحمه الله - لجعل الصوت العربي مسموعاً على الصعيد الدولي وخلق ثقل إقليمي للمنطقة العربية، لقاءات عقدها مع قادة الدول الغربية، ونذكر على سبيل المثال الرسالة التي بعث بها الرئيس الأمريكي روزفلت في يناير 1945م/1364هـ يعرب فيها عن رغبته في لقاء الملك عبدالعزيز، حيث التقاه في قناة السويس ذاكراً - رحمه الله - أن تلك الموافقة أتت لمساعدة فلسطين وسوريا ولبنان.
كما التقى الملك عبدالعزيز في بمقر إقامته في مصر، رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل بصحبة وزير الخارجية انطوني إيدن وآخرين من كبار السياسيين والقادة العسكريين، فاستقبلهم الملك عبدالعزيز الذي اجتمع منفرداً بتشرشل لمدة ساعة، فكانت جميع لقاءات الملك عبدالعزيز - رحمه الله - لصالح الأمة العربية والإسلامية.
وقد أثبت الملك عبدالعزيز اهتمامه وحرصه على المشاركة في حل قضايا العرب وسعيه لدعم الوحدة العربية، فحينما اندلعت ثورة فلسطين ضد البريطانيين في عام 1355هـ/1936م سارع الملك عبدالعزيز بتقديم العون المادي للمنكوبين، واتصل بالقادة يطالبهم باتخاذ موقف عربي موحد.
تلك السياسات التي وضعها الملك عبدالعزيز في التعامل الخارجي سواءً مع الدول العربية أو الدول الأجنبية أو مساعدة الشعوب لتوحيد صفوفهم، زرعها في أبنائه منذ الصغر، فجميع حكام هذه البلاد انتهجوا سياسة توحيد الصفوف والتعامل بالحسنى بحسب ما تعلَّموا من والدهم الملك عبدالعزيز.
وبتلك السياسة أصبحت المملكة من ضمن أهم عشر دول مؤثرة ليس على مستوى المنطقة فقط وإنما على مستوى العالم أجمع.
كثيراً ما تتجه الأنظار إلى المملكة عند اتخاذ أي قرار سياسي أو اقتصادي، ويأتي ذلك لما تتمتع به المملكة من مكانة دولية معترف بها، فالجهود المبذولة سواء من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أو ولي العهد محمد بن سلمان، جعل المملكة من الأركان الرئيسة لاتخاذ قرارات دولية، لما تتمتع به المملكة من قوة في النفوذ السياسي إلى جانب القوة الاقتصادية، مما أكسبها دوراً فعالاً في إطار تشكيل وتنيظم المنظمات الإقليمية.
وشهدت السياسة السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان تجديداً واستمرارية في اعتمادها على مبادئها الثابتة الملتزمة بالمواثيق الدولية والأمن العالمي، لما يحققه ذلك من أهداف ترتكز على توحيد الصفوف وإذابة الفجوات بين الدول والقادة والشعوب لمواجهة المخاطر التي تحيط بالأمتين العربية والإسلامية أو على المستوى العالم أجمع.
وبالمنهج الذي اتبعته سياسة خادم الحرمين دخلت السياسة السعودية مرحلة جديدة ومؤثرة، حيث رافقت السياسة السعودية سياسة الحزم والعزم للتصدي للمشروعات الإقليمية والدولية التي تسعى إلى الهيمنة وبسط النفوذ غير المشروع وغير القانوني.
التحول الذي انتهجته السياسة الخارجية السعودية كان من أهم أسبابه حساسية الملفات وخطورتها ليس على المملكة فقط وإنما على الإنسان العربي أولاً سواء كان ذلك لما يحدث في سوريا أو اليمن أو العراق أو مصر أو المحاولات الإيرانية في توسع نفوذها، أو كان مساعي الحوثي في الهيمنة على اليمن وشعبه ليكون أداة إيران الخفية.
واتجهت المملكة إلى بذل المساعي التي تهدف إلى إيجاد توازن لإبقاء صوت الحق والذي هو صوت المواطن.
وكذلك استجابة سياسة المملكة لاستغاثة الحكومة الشرعية في اليمن، عندما أعلنت عن انطلاق عاصفة الحزم لنصرة الشعب اليمني وإنقاذه من سيطرة الحوثي، ونصرةً لشرعية الحكومة في اليمن.
توثيق العلاقات
تسعى المملكة إلى توثيق علاقتها مع جميع الدول بما يخدم البشرية أجمع، حيث إن سياسة المملكة لم تكن على مر التاريخ عدائية وإنما كانت تسعى لتوحيد الرؤى والصفوف.
فالمملكة دائماً ما تتبنى عقد المؤتمرات المهمة والحساسة، إضافة إلى دعم دعوات الدول الأخرى في عقد مؤتمراتها لتؤكد مبدأها الدائم وهو حسن النيات للقيادات السعودية، وتسعى المملكة دائماً إلى استغلال تلك المناسبات لتوقيع الاتفاقيات والمعاهدات وعقد الشراكات سواء كانت ثانية أو متعددة الأطراف.
إنسانياً
المملكة دائماً ما تكون من أول الدول التي تقدم المساعدات للشعوب المنكوبة والمتضررة دون النظر إلى أي انتماء سواء دينيًا أو عرقيًا، فالإنسانية هي شعار المملكة، وتعد السعودية من أول الدول التي تسهم في كل دعوة سواء أعلنتها الأمم المتحدة أو تبنتها المملكة أو دعت إليها دولة أخرى، والتاريخ خير شاهد على إسهامات السعودية عبر جميع قياداتها، وممكن أن نذكر على سبيل المثال استضافة المملكة الأشقاء اليمنيين (أكثر من نصف مليون يمني) وقدمت لهم كل التسهيلات والمساعدات سواء كانوا في داخل المملكة أو خارجها.
وكذلك لا ننسى الأزمة السورية والتعامل السعودي مع ذلك الملف، حيث أعلنت المملكة استعدادها لاستقبال أبناء الشعب السوري، وإسهاماً منها في تخفيف معاناتهم الإنسانية، حيث بلغ عدد السوريين الذين استقبلتهم المملكة أكثر من 2 مليون سوري، وأصدرت المملكة قراراتها بأن يعاملوا كمعاملة السعودي حيث تم استقبال أبنائهم في المدارس الحكومية وبالمجان ومنحوا حق العلاج في المستوصفات والمستشفيات الحكومية بالمجان أيضاً، ولم تتعامل المملكة معهم مثل الدول الأخرى بإسكانهم في المخيمات والتضييق عليهم واستغلال قضيتهم دولياً وإنما تم السماح لهم بالاندماج مع الشعب السعودي في المساكن والعمل في الأسواق وغير ذلك، كما قدمت المملكة الدعم للاجئين الآخرين الذين تم استقبالهم في الدول الأخرى.
إلى جانب ذلك فقد قدمت المملكة دعمها المالي والمعنوي حرصاً منها على استقرار الدول العربية ومنها مصر وليبيا وتونس أو أي دول أخرى غير عربية لحماية الدماء البشرية من السفك جراء العنف والعمليات الإرهابية وضمان عدم انتشار الإرهاب بين الشعوب.
كما قدمت المملكة مساعدتها لجميع الدول التي تضررت وتأثرت بنيتها التحتية سواء بسبب الحروب أو الظواهر الكونية من زلازل وبراكين وإعصارات، فالمملكة كانت تعلن الدعم ليس على المستوى الحكومي فقط وإنما حتى إنها تفتح المجال للمشاركة من قِبل أبنائها من الشعب، لأن ثقافة المساعدة لدى السعوديين ليست محصورة فقط في القيادة الرسمية وإنما هي ثقافة لكل من يعيش تحت ظل القيادة السعودية.
إيقاف الإرهاب
تؤكد المملكة في جميع المحافل نبذها للإرهاب ورفضها له بكل أشكاله، ومهما كانت دوافعه أو مبرراته، كما دعت المملكة الدول كافة إلى التكاتف لقطع جميع سبل تغذيته وتنميته، ونستدل في ذلك تشكيل التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة وبتر الإرهاب، وإضافة إلى إعلان المملكة تدشين مركز عمليات مشتركة بمدينة الرياض لتنسيق ودعم العمليات العسكرية لمحاربة الإرهاب.
اتفاق السلام
استضافت المملكة في جدة حفلَ توقيع اتفاق السلام بين إثيوبيا وإريتريا، بحضور الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقي محمد.
وتم توقيع اتفاق السلام بين الرئيس الإريتري أسياس أفورقي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي، ليطوي البلدان صفحة أطول نزاع في القارة الإفريقية.
وثمن الجانبان الإريتري والإثيوبي حكمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ومساهمة ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد السعودي في رعاية اتفاق السلام، والدفع به ليكون واجهة لعلاقات إيجابية ستعود بالنفع على الطرفين بشكل مباشر، وعلى القرن الإفريقي بشكل عام.
يذكر أن إثيوبيا وإريتريا قد أعلنتا منذ شهرين إنهاء حالة الحرب التي استمرت عشرين عاماً بينهما حول مناطق حدودية، وأعادتا فتح الحدود المشتركة بينهما. والمملكة أعلنت على لسان وزير الشؤون الإفريقية السعودي أحمد قطان، عن خطة إستراتيجية لتطوير وتوطيد العلاقات بين الرياض وكل الدول الإفريقية دون استثناء.
مصالحة بين جيبوتي وإريتريا
أثمرت الجهود التي قادها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وجهود ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، إلى مصالحة بين جيبوتي وإريتريا لتنهي الدولتان بذلك قطيعة استمرت 10 سنوات.
وعقد رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله ورئيس إريتريا آسياس أفورقي لقاء تاريخياً في مدينة جدة، استجابة لدعوة الملك سلمان بن عبد العزيز لفتح صفحة جديدة بين البلدين.
وعبر الرئيسان الجيبوتي والإريتري عن بالغ التقدير والامتنان لجهود خادم الحرمين الشريفين وولي العهد الأمير محمد بن سلمان لعقد هذا اللقاء ولفتح صفحة جديدة بين البلدين، كما يؤكد حرص الرياض واهتمامها بالسلام والاستقرار في المنطقة.