أ.د.عثمان بن صالح العامر
تذكرون أن هناك جدلاً واسعاً ثار في ساحتنا الثقافية المحلية قبل فترة ليست بالقريبة حول (الخصوصية السعودية). فمن ناف لها بالكلية، ومن مبالغ فيها بشكل فج، ومن مُتَّخِذ الوسط بين هذا وذاك، كل هذا الكلام ذهب أدراج الرياح وبقي التطبيق الواقعي مدللاً على أن أهل الوسط هم الذين كانوا على حق، ولعل من بين خواصنا التي نعتز بها ونتمسك، وبها قال من لزم الوسيطة بين المحلية والعالمية (البيعة) التي هي عهد من الرعية للحاكم على السمع والطاعة، وهذه هي الصيغة الشرعية الوحيدة في إشراك المواطنين بمنظومة الحكم.
والمتتبع لكتب السلف يجد أن من لوازم هذه الصيغة - التي لها قول متوارث معروف، وفيها توضع اليد باليد إلا للنساء اللاتي بايع منهن الرسول صلى الله عليه وسلم (457) أربعمائة وسبع وخمسون امرأة بالكلام دون المصافحة - أقول إن من لوازم صيغة البيعة الشرعية في كتب الفقه كما جمعها وأفاض في الحديث عنها أهل الاختصاص السمع والطاعة في المنشط والمكره وفِي العسر واليسر وألا ينازع الواحد منا هذا الأمر أهله، ويترتب على هذا النصرة لولي الأمر، والدعاء له، واحترامه وإجلاله، وعدم التعريض به أو الحديث عنه بما يشين، أو تصديق ما يقال فيه من شائعات وأراجيف، واعتزال الفتنة إذا وقعت في عهده لا سمح الله.
إن من الواجب علينا ونحن تمر بِنَا ذكرى البيعة الرابعة لتولي مولاي سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم أن نتذكر هذه الدلالة العظيمة للبيعة التي في عنق كل منا فتكون دافعاً ذاتياً لاستشعار مسئولينا المباشرة إزاء قيادتنا العازمة الحازمة التي ندين لها بعد الله بالولاء والطاعة والعمل والعطاء، كما أنها فرصة سانحة لرفع أسمى آيات الشكر والتقدير لحكومة مولاي خادم الحرمين الشريفين وسيدي سمو ولي عهده الأمين على ما أنجز في غضون سنوات قليلة في جميع مجالات التنمية وعلى جميع الأصعدة.
لقد أدرك سلمان العزم بثاقب بصيرته وعميق نظره وطول تأمله وتفكره في حوادث الزمن وسيرِ صناعه، أن الوجود الحقيقي للعظماء لا يقاس بطول الزمن وقصره، بل بما يتم إنجازه على جميع الأصعدة وفِي كل المجالات، فكان في سباق مع الأيام بل الساعات، وتحقق له جراء هذا الفهم العميق - بفضل الله ومنه - في أعوام معدودة ما لم يتحقق لغيره في سنوات.
استطاع سلمان الحزم - أدامه الله وحفظه ونصره في أعوام قليلة أن يغير موازين القوى، ويوقف مشاريع «الفوضى الخلاقة في المنطقة»، ويشكل صورة ذهنية إيجابية عن بلادي المملكة العربية السعودية داخل أروقة نادي الكبار ولدى شعوب العالم الأول، ولَم يكن لهذا أو ذاك أن يتحقق لولا توفيق الله- عز وجل - ثم قوة وحزم وكياسة وفطنة وحنكة وحكمة سلمان بن عبد العزيز، وذكاء وطموح وتفاؤل وإقدام ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز - حفظهما الله ورعاهما -.
إنني اليوم - وأنا أشهد ذكرى البيعة المباركة - أسوق التهنئة القلبية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ولولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولكل سعودي وسعودية يعرف معنى أن يكون مواطناً سعودياً بحق، وفِي ذات الوقت أجدد ما عاهدت الله عليه من قبل بأن أسمع وأطيع في المنشط والمكره والعسر واليسر، وألا أنازع الأمر أهله، سائلاً المولى- عز وجل- أن يحفظ قادتنا وولاة أمرنا، وأن يديم عزّنا ويبقي سؤددنا، ويخزي عدونا وينصر جندنا، ويجمع كلمتنا ويوحد صفنا، ويبسط أمننا وييسر أمورنا، ودمتم لنا رموزنا الأفذاذ سلمان الحزم والعزم، ومحمد الطموح والمجد، وسلمت لنا وطن العز والسؤدد وإلى لقاء والسلام.