د. خيرية السقاف
في الوقت الذي أعلنت فيه فرنسا رفضها القاطع لأن تتدخل أمريكا، وبالتالي بقية دول العالم في قضيتها الداخلية القائمة الموسومة «بحركة ذوي السترات الصفراء»، التي تشبه لحد كبير ما حدث في ساحات بعض الدول العربية بدعوى «الربيع العربي» فدوِّلت قضاياها، وتدخلت فيها كل الأنوف، بل الأذرع، والكتوف، والسلاح، وما هو مباح، وغير مباح، وكثرت حولها المفاوضات، ولم يحدث هذا حين شابهتها بعض التظاهرات في مدن أمريكية، وأوربية أخرى، في هذا الوقت الذي لا ينص، ولا يقرُّ عرفٌ دولي ولا قانونٌ أممي، ولا معاهدة عالمية أن تتدخل دولة في شؤون داخلية لدولة أخرى، فحقوق سيادة الدول محفوظة بالمعاهدات، والأنظمة، والقوانين، والاتفاقات، تظل تركيا تدس أنفها، وأظافرها، وفتائلها، وأبواقها، وحلفائها في شأن قضية داخلية من خصوصيات المملكة مع مواطن من أبنائها يهمُّ أهلُه أمره، ولن يتخلوا عن حقه، لتجعل منها بسعيها الحثيث قضيتها الرئيسة، ففي الوقت الذي تتجاهل شؤونها الداخلية، تظل تسعى دون وجه حق، لتدويل قضية غيرها، ذلك إضافة إلى ما تقدم منها نحو المملكة في هذه القضية من بلبلة إعلامية، وتحريض علني، ومماطلات فجَّة، أبان عن الحقد، والعداء، وكشف عن الغايات، والمقاصد التي تضمرها تركيا لنفسها تحديداً بورقة تلعب بها ضد السعودية لمجرد أن الحدث جاء في بلادها..
ما أود الوصول إليه من هذه التفاصيل المعروفة للجميع هو ما تتخذه المملكة العربية السعودية من إجراءات السياسة الناضجة الحكيمة تتعامل بها مع موقف تركيا المستنفر بهذا العداء السافر، والمكر المقنن، والتدخل المريب لتلك الدولة مع قضية داخلية، إذ فيما تعمل الأجهزة العدلية السعودية بكل جد، وحكمة، وعزم لإنهاء القضية بنتائجها القانونية، والشرعية، وهي تنضوي تحت قضاياها الداخلية الخاصة، فإن تركيا تصفع بكل أعراف ضوابط العلاقات بين الدول، ولا تنام لتثير المزيد من التأثير العالمي، من أجل أن تكسب المزيد من المؤيِّدين لها، بانتهاز ما يحدث في دول العالم من أوضاع تلعب هي في مائها العكر بغية تحقيق مآربها الخاصة، بينما هي مضحكة للعقلاء، ستبكي على نفسها ذات خاتمة..
إن الذي أجمع عليه العالم بأسره أن سياسة الحكمة، والهدوء التي لا تعني التفريط في الحق الذاتي السيادي، قد جاءت به تصريحات وزير الخارجية السعودي، حين وضع النقاط على الحروف، وشدد على الخطوط الحمراء تحت السطور، وضاعف الألوان، وكبَّر الحروف، وهو يسجِّل العناوين الكبيرة في عين تركيا، والعالم أجمع: أن لا، ولا، ولا للابتزاز التركي من أجل مكاسبها الوهمية على حساب قضية ليست قضيتها، ومن ثم فلا دولة من شأنها التدخل فيما يمس حقوق الوطن..
ثبَّت الله هذه السياسة الواعية الحكيمة في هذه البلاد، ووفَّق العدل بقوة أساسه، وثبت رجاحة ميزان القضاء فيها، ونصرها على من يريدها بسوء، ويحيك لها علناً، وفي الخفاء، وألهم الناس في كل أصقاع الأرض رشد العقول، ورجاحة التفكير، وبصيرة الوعي كي لا تختلط أوراق الدول بعبث الحاقدين ذوي المصالح في دول أخرى، وجمع شمل الوطن بأبنائه في لحمة لن تنجرح..