د.علي القرني
هل الإعلام العربي يسير إلى الأمام أم يتراجع إلى الخلف؟
في الماضي كان الإعلام العربي كتلة واحدة، يمكن أن نوصفه أو نحدد ملامحه أو نقيم أوضاعه، أما اليوم فأصبح شتاتا يصعب أن نلملمه، وتفرقة يصعب توحيدها، واختلافا يصعب تجميعه. كما أن الإعلام العربي اليوم بات متداخلا مع الإعلام الدولي بطريقة لا يمكن فك اشتباكه بهذا الإعلام، وأصبح إعلامنا العربي نسخا من إعلام آخر، حتى بتنا لا نعرفه في كثير من الأحيان.
ونسأل ما هو الثابت والمتحول أو المتغير في الإعلام العربي؟ وفي ظاهر الأمر فالثابت هو الجغرافيا والتاريخ لأن العالم العربي يظل تاريخاً واحداً، ويظل مكاناً واحداً. فالمكان والزمان يبقيان أساسيان في أي هيكلة ثقافية لموضوع أو محتوى معين. وإذا أبقينا وثبتنا التاريخ والجغرافيا فهذا لاشك مهم، وربما يقرب الناس من بعضهم البعض، ولكن ينبغي أن نفهم هذين البعدين بشكل نسبي وليس بشكل مطلق. فعندما نتكلم أو نناقش عنصري المكان والزمان، فنحن نقصد الناس بالدرجة الأولى، قبل المؤسسات والتنظيمات التي تحيط بهؤلاء الناس.
وما هو المتحول؟ في ظني أن المتحول هو أشياء كثيرة جدا لا يمكن حصرها، ومنها النظام الإعلامي ذاته، والمحتوى الإعلامي أيضا هو متغير كثيرا، والطقوس والروتين الإعلامي متغيرات فنية مؤثرة. فلو قصصنا صفحة من صفحات جريدة عربية قبل عدة عقود وقارناها بصفحة في صحيفة يومية حالية، فلن نعرف أبدا أن هناك تراكما ثقافيا بين هاتين الصفحيتن، حتى لو كانت من نفس الصحيفة. وهذا يشبه ما نسميه حالة انقطاع بين الماضي والحاضر، ومن الخطورة عدم التنبؤ بما سيحدث في المحتوى الإعلامي في المستقبل، لأن الإعلام العربي يسير في اتجاه مقاطعة مستمرة مع الماضي، ونحن لا نقصد هنا الماضي البعيد، بل الماضي الذي يعيشه المجتمع خلال العقدين الماضيين أو العقود التي سبقت.
ومن مظاهر الإعلام العربي التي نعيشها الآن هو العدائية المستفحلة في المحتوى الإعلامي، فقد خلق بعض الإعلام العربي عدائية تجاه بعض الإعلام الآخر، أو من يمثله من مؤسسات ودول ومجتمعات. وتنطلق هذه العدائية من أجندات سياسية وفكرية تتبناها بعض مؤسسات الإعلام العربي، وتتجه بالعالم العربي إلى التشتيت والتفرقة والتمزق. ولا شك أن مؤسسات الإعلام العربي في معظمها لها خصوصية مجتمعية تبني مضامينها على أساسها، ولكن بعض تلك المؤسسات لها أجندات خفية تعمل من خلالها على تمزيق النظام الأمني العربي وهذا ماعاشه عالمنا العربي بشكل خاص منذ بداية العقد الحالي، حيث قامت مؤسسات إعلامية كبرى بتبني فوضى الشارع وزرعتها في قمة اهتمام المواطن العربي.
وهناك ندرة في إيجاد صيغ ثقافية تتناسب مع المواطن العربي في ظل هذه التوجهات العدائية الطاغية في مضمون الإعلام، والى التهميش الكبير للنخبة الصالحة في المجتمعات العربية. وإذا دققنا في نجوم الإعلام العربي سنجد أنهم أحادي الصوت، حاملي أجندات الفرقة والتشتت بين أجزاء الوطن العربي، وهذا هو الذي أهلهم إلى أن يتبوأ مكانة مرموقة في سماء الإعلام العربي.
إن الثابت ربما في الإعلام العربي هو الحالة المتغيرة التي تستمر في مضامين الإعلام العربي، وإن الثبات هو الثبات على التغير المستمر، وهذا ما يجعلنا نحكم على الإعلام العربي كمرحلة وحالة غير مستقرة، وربما حالة مرضية في جسد العالم العربي. كما أن تحميل الإعلام العربي أجندات فوق عربية إقليمية ودولية من شأنه ان يزيد من التمزق العربي. وإذا كان إعلام أحمد سعيد حتى في قمة زيفيته كان يوحد بين العالم العربي، فإن إعلامنا الحالي حتى في أدنى مضمونه كأغنية يعمل على تمزيق الجسد العربي.