أ.د.عثمان بن صالح العامر
في كل مجتمع خير، وإن اختلف الزمان وتباين المكان، ومن يصنعوا معروفاً يضعوا أسماءهم في قائمة المتميزين حقاً الذين استطاعوا الانتصار على أنفسهم والتغلّب على الأنا داخل ذواتهم سواء عرفهم الناس وتحدثوا عن أفعالهم أو أنهم لهم منكرون جاحدون وربما عن جهل وعدم دراية، ولكن لا بد هنا أن أشير إلى أن هناك من يقدم على فعله الحسن هذا من أجل مدح الناس له وحتى يثبّتَ ويدوّن ما جرى على يديه أياً كان في صفحات تاريخه وعلى لسان شعراء زمنه، وهو هنا يعزِّز غرور الذات عنده، ويضخم الأنا فيه ويدخل ضمن منظومة (المهايطية) في مجتمعنا المحلي، وضده تماماً صنف يقوم بفعل الخير طلباً لما عند الله عزَّ وجلَّ ابتداءً، فيحبه الله على ما صنع ثم ينزل محبته في قلوب عباده، فيذكرون صنيعه الجميل ويرتبط هذا الفعل الحسن باسمه طول حياته، ويخلّد به بعد مماته، وربما التصق بذريته وورثه ورثته من بعده.
جزماً ليس بمقدور أحد منا أن يصنف ويفرز، فالنيّات عمل قلبي ولا يعرف ما بين الحنايا وما تخفيه الضمائر إلا الله، ولذا فالأصل أنّ لنا الظاهر ولنترك عالم السرائر والضمائر لله، وعلى هذا الأساس فكل من صنع معروفاً منا فالواجب في حقه أن نحسن الظن به ونضعه في الخانة الثانية التي تجعل العمل المشهود عملاً أريد به وجه الله سبحانه.
صنائع المعروف ليست فقط ما نقرأ في وسائل الإعلام قديمها وجديدها ولا ما نطلع عليه في قوائم الجمعيات والمؤسسات الخيرية من أسماء وأرقام المتبرعين، بل إن في خبايا البيوت وداخل الأحياء البسيطة خطوات مكتوبة وأيد خيِّرة ممدودة لبطون جائعة وأجساد عارية وحالة مزرية لا يعلم بها إلا الله، وبهذا نفتخر ونتميز (وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم).
هناك صنائع نوعية هي محل حديث المجالس الحائلية هذه الأيام حقها التوقف عندها وذكرها في مقام الافتخار بالصنيع والصانع، لأن فيها إنكاراً للذات، وربما المخاطرة بالروح من أجل فعل الخير والحصول على الأجر من عند الله.
- شاب في مقتبل العمر يتبرَّع بكليته من أجل إنقاذ مريض ورفع العنت والمعاناة عنه تلك التي لازمته سنوات طويلة عانى فيها الأمرين جراء الغسيل.
- آخر يخاطر بنفسه فيرقى جبلاً مرتفعاً لينقذ كلباً علق في مكان صعب.
- ثالث يرى فرحة الناس بالغيث وخروجهم إلى البر واستمتاعهم بالأجواء الرائعة هذه الأيام فتكون منه لفتة حانية لكبار السن الذين استقر بهم المقام في خريف عمرهم الذي تساقطت أوراقه في مركز المسنين بحائل فيتبنى رحلة برية بهم ليدخل الأنس والسعادة عليهم.
- رابع يتابع حالة مريض يتنقّل هو وزوجته من مدينة لأخرى من أجل العلاج ويتولى حجوزاته ويدفع تذاكره وربما أمَّن له سكنه في جميع رحلاته التي مضى عليها أكثر من سنة، وهو وإن كان ميسور الحال فإنه ليس من أولئك الأثرياء أصحاب الأرقام العالية.
- خامس يتفقد بيوت القرية التي يُدرس فيها فيساعد من استطاع منهم، ويقدِّم لهم ما تجود به نفسه سراً، وهو لا يملك إلا راتبه.
- سادس وسابع وثامن، بصدق نحن مجتمع خير، فينا كثر -بفضل من الله ومنه- لهم صنائع معروف حقهم علينا الإشادة بفعلهم والدعاء لهم وحث غيرهم على الاقتداء بهم واقتفاء أثرهم والسير على خطاهم فصنائع المعروف تقي مصارع السوء.. ودمت عزيزاً يا وطني. وإلى لقاء والسلام.