زكية إبراهيم الحجي
يُقال إن الوحش يستدير إلى أولاده ليأكلهم عندما يُحشر وتُسد في وجهه كل المنافذ.. ويبدو أن هذا ما أصاب أردوغان.. فعلامات التوحش باتت واضحة جلية في أفعاله وتصرفاته العنجهية بعد أن أضحى محشوراً في زاوية ضيقة يتخبط ذات اليمين وذات الشمال.. ووصل في سياساته الرعناء حد الإفلاس.. وتحولت أحلامه التي بنى عليها إعادة أمجاد سلاطين الدولة العثمانية إلى أوهام تصطدم بصخور الفشل.
أردوغان ينحدر من عائلة كانت تعيش في منطقة تُعرف باسم»ريزه» وتقع شمال تركيا.. ومن عجائب الصدف أن من سمات سكان هذه المنطقة الولع بالشجار والميل إلى المراوغة وهو ما يمكن التثبت منه عند متابعة تصريحات أردوغان المدوية ومواقفه المتلونة بين لحظة وأخرى مما يعكس حالة المأزق الذي يعيشه.
تروي السيرة الذاتية لأردوغان من خلال تقاطعاتها مع التبدل المكاني والتاريخي الذي كان يحدث في تركيا بأنه عاش حياة قاسية متسمة بشظف العيش، فقد كان يتجول في الشوارع يبيع أقراص الكعك ليعيل نفسه وأهله.. كان أردوغان بارعاً في لعب كرة القدم والمراوغة بها في فترة شبابه حيث كان يراوغ الخصوم بالكرة أمام الجمهور فتأصلت المراوغة في نفسه لنجده اليوم وفي السياسة يراوغ ويتلون ويظهر بثوب المدافع عن القضية الفلسطينية عازفاً على وتر الإنسانية من خلال خطب رنانة وشعارات زائفة مضللة محاولاً من خلالها أن يظهر بمظهر القائد التاريخي.. يراوغ ببراعة في وسائل إعلام مختلفة ومستغلاً الآلة الإعلامية كقناة الجزيرة وغيرها من قنوات تمجده للترويج لسياسته وأحلام تطلعاته التي تُظهرها كثرة استخدامه لمصطلح «نحن أحفاد العثمانيين» مما يؤكد توجهاته العثمانية ومحاولاته البائسة لإحياء إرث الخلافة عن طريق التمدد السياسي والجغرافي في المنطقة ناهيك عن علاقته الوطيدة بجماعة الإخوان المسلمين واحتضانه لهم وتعاونه معهم.
محاولات متكررة مستميتة لرئيس تركيا ولعل آخرها في قمة العشرين التي عُقدت في الأرجنتين.. فرغم أن محاور القمة الأساسية هي مناقشة الاقتصاد والمناخ إلا أن وجه القبح للسياسة التركية الانتهازية ظهر في خطاب أردوغان خلال انعقاد قمة العشرين.. فبعد فشل أردوغان في تمرير قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي وأغلِقت كل الأبواب في وجهه اعتلى منصة القمة ليقفز على الملف اليمني ويطرق باب ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران ومرتدياً ثوب الإنسانية ليتحدث عن الأوضاع في اليمن ومنتقداً قوات التحالف العربي بقيادة السعودية متناسياً كل أشكال الإرهاب الفكري والسياسي والأمني الذي يمارسه على شعبه بل إن أقرب المقربين منه كان لهم نصيب الأسد من تحكم وسلطنة أردوغان أمثال داود أوغلو الذي رحل على خلفية خلاف بينه وبين أردوغان اللاهث وراء الاستئثار بكل السلطات والانفراد بها.
غيض من فيض لأطوار متناقضة ومتلونة لسياسة رئيس النظام التركي نتيجة عقليته الانكشارية والأقنعة التي يبدلها كما يبدل ربطة عنقه السؤال هل السلم التركي محصنٌ ضد التدحرج؟ ربما الأيام القادمة تكشف الخبايا.