د.محمد بن عبدالرحمن البشر
توفي بوش الأب الرئيس الواحد والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية، وما كان للمرء أن يكتب عنه لولا تلك الأحداث التي حدثت في الشرق الأوسط في وقت كان فيه يتقلد الرئاسة، أو مناصب قيادية في الولايات المتحدة الأمريكية.
وبوش الأب، من عائلة ثرية في تكساس موطن النفط الأمريكي، لذا كان لعائلته قسط من ذلك النشاط المهم في تلك الولاية الغنية، وكان ينحدر من عائلة عريقة لها باع طويل في المجال السياسي والمالي.
عمل بوش الأب نائباً، برلمانياً، وسفيراً في الصين، ورئيساً لوكالة الاستخبارات الأمريكية، في عهد الرئيس فورد، ونائباً للرئيس في عهد الرئيس ريجن ومن بعد ذلك رئيساً للولايات المتحدة لفترة واحدة من عام 1990م حتى عام 1995م، وكان مسؤولاً أثناء الحرب الإيرانية - العراقية، كما أنه أسهم مساهمة كبيرة في تحرير الكويت، بعد قيام الثورة الإيرانية، الذي أحس حكامها الجدد بنشوة الانتصار، فأخذوا في نشر الإيدلوجيا واستخدامها في السياسة للتمدد في المنطقة، وكانت العراق إحدى تلك الدول المستهدفة بشكل كبير، لأن عدد ممن يؤمن بأيدولوجية الخميني آنذاك كانوا على تواصل معه في المنفى، أو كانت الفرصة متاحة لهم لتحقيق مآربهم، مستغلين بعض الأخطاء الإدارية التي وقع فيها حكام العراق، فأخذ نفوذ الثورة الخمينية ينتشر في العراق، ويبدو أن الرئيس العراقي الراحل، قد استشعر ذلك السيل الذي يجري تحت الأقدام، فقرر أن يعمل شيئاً ما، فرأى أن الجيش الإيراني القوي الذي بناه، إمبراطور إيران المنفي، تفكك، وضعف لدرجة يمكنه معها كسب المعركة، لو دخل في حرب مع حكام الثورة الجديدة.
بدأت الحرب، واستطاع الجيش العراقي في التقدم لكنه ما لبث أن عاد إلى حدوده، بفعل ردة الفعل الإيرانية.
كان القادة في دول الخليج، والمسؤولون الأمريكيون أيضاً يراقبون الأحداث، وبوش الأب كان يراقب الأحداث أيضاً، وقد تراكمت الخبرات لديه، وأصبح أكثر فهماً للمنطقة، وقد أخذت الولايات المتحدة تزود العراق بالأسلحة المتقدمة، وكان لبوش الأب دور في تلك القرارات.
انتهت الحرب العراقية - الإيرانية، وتكبد الطرفان خسائر فادحة في البشر، عسكريين ومدنيين، وخسائر مالية، واقتصادية واجتماعية، وانهيار في البنية التحتية، وكانت النتيجة أن وافق الخميني على وقف الحرب، وقال قولته المشهورة «إنني أتجرع السم».
وكانت الخسارة على الجميع، ولم يحقق أي منهما انتصاراً لافتاً، وكل عاد إلى حدوده.
بعد سنين أصبح لدى العراق قدرة صناعية في المجال العسكري، وتراكمت لدى العراقيين المعرفة، كما أن ترسانة السلاح تراكمت، وأحس صدام حسين وقتها أنه يمكن احتلال الكويت دون عناء، وأعد العدة لذلك، وزحف بقواته، بعد أن حاولت دول كثيرة صرفه عما كان يرمي إليه، وقد لعبت المملكة العربية السعودية دوراً بارزاً في ثنيه لكنه لم يرتدع، وكان لا بد من ركوب الأسنة، فسخرت طاقاتها البشرية والعسكرية والمالية، واستثمرت علاقاتها السياسة، فكان تحالفاً دولياً كبيراً.
كان بوش الأب في ذلك الوقت رئيساً للولايات المتحدة، وهب للمشاركة، فكان قراراً سعودياً، ومساعدة أمريكية مع بعض الدول العربية وغير العربية، فكان تحالفاً أدى إلى هزيمة صدام في أيام محدودة.
لم ير التحالف دخول العراق واكتفى بالمشاركة في تحرير الكويت، وكان قراراً صائباً، لأن دخول العراق غير محمود العواقب، لهذا فكان هذا القرار الحكيم حرماناً للتأثير الإيراني واستثمار الخطأ الفادح لصدام للتغلغل في العراق، وهذا ما تم بعد ذلك، في عهد بوش الابن، رغم معارضة المملكة.
بعد الحرب ارتفعت أسهم بوش في الداخل الأمريكي، وأظهرت استطلاعات الرأي أنه يحظى بنسبة وصلت إلى ستة وثمانين بالمائة، لكن الركود الاقتصادي الذي حدث في الولايات المتحدة الأمريكية، عمل على تآكل ذلك الكسب الكبير، وأخذت شعبيته في الانحسار، حتى خسر الانتخابات، ولم يتم التجديد له لأربع سنوات أخرى، وكان أمراً غريباً.
عندما كنت سفيراً في الصين عام ألفين كان قد غادرها الرئيس بوش كسفير منذ مدة، وذكر لي من عاصره أنه كان متواضعاً، ولا يمكن الحصول منه على أي معلومة، فهو كاتم للأسرار، يتحدث في العموميات، ويعمل بصمت.
لقد توفي هذا الرئيس الذي ساعد مساعدة كبيرة في تحرير الكويت فجنب المنطقة الكثير من الكوارث.