تقديم المترجم: هنا ورقة قيمة للباحث مايكل فاركوار، أستاذ مساعد في العلوم السياسية، جامعة لندن. ونشرت الدراسة في مارس 2016. وهي مقتبسة من أطروحته للدكتوراه عن التعليم الديني في السعودية. وسوف نختصر اسم الجامعة الإسلامية بالمدينة ليصبح «جاسمد» في الورقة:
ومنذ افتتاحها في عام 1961، أصبحت جاسمد الركيزة الأساس للجهود التي تبذلها السعودية لتعزيز الانتشار العالمي للفهم السلفي للإسلام الذي ينحاز بشكل عام في المسائل الأساسية من العقيدة والتطبيق العملي إلى التعاليم الوهابية الممارسة في المملكة. والتزمت جاسمد منذ البداية بقبول أكثر من 80 % من طلابها من خارج المملكة العربية السعودية، مع تقديم منحة مجانية كاملة وسخية مالياً للغاية (*)؛ فقد شملت تكاليف الرسوم الدراسية و«جميع» النفقات التي يحتاجها الطالب لإكمال الدراسة الجامعية.
ويمكن أن نجادل بأن المؤسسة الدينية السعودية، في ذلك الوقت، كانت غير مهيأة وغير جاهزة للمشاركة في تلك المحاولة الطموحة لتوسيع نفوذها ومد سلطتها وتأثيرها، لكي تصل إلى المجتمعات الإسلامية في جميع أنحاء العالم. وتختلف التقييمات حول قدرات ومكانة المجتمع العلمي الوهابي في منتصف القرن العشرين. وفي كتاب نُشر بالإنكليزية في النصف الأول من الستينيات بعنوان «الأيام العربية» وهو ترجمة لكتاب بالعربية معنون بـ «جزيرة العرب في القرن العشرين»، قدّم مؤلفه المصري حافظ وهبة (1889-1967)، الذي وظفته الدولة السعودية في منصب مستشار لابن سعود مؤسس الدولة، وصفاً لاذعا: «... وعلماء نجد يحرّمون التصوير ودروس المنطق والفلسفة، ولا يوجد لديهم من يعرف هذه العلوم، وقليل من علماء نجد من يحيط بأسرار اللغة العربية وآدابها إحاطة تامة، وقليل جداً من يعرف علوم البيان والاشتقاق أو أسرار البلاغة، وقليل منهم المحيط بحوادث التاريخ الإسلامي أو التاريخ القديم، فمعلوماتهم التاريخية لا تتجاوز السيرة النبوية وسيرة الخلفاء الراشدين، والتاريخ القديم لا يعدو علمهم فيه الطبري وابن الأثير...» (**).
وعند الحديث عن تأسيس جاسمد في عام 1961، أشار المعلقون إلى أن هذه الجامعة التبشيرية الجديدة، التي صممت ليكون معظم طلابها من غير السعوديين، كانت تهدف إلى خدمة هدف مهم للسياسة الخارجية للنظام السعودي. (3) وبقدر ما ستروّج وتبشّر جاسمد للفكر الديني السلفي-الوهابي المحافظ بين المجتمعات المسلمة في الخارج، يمكن المجادلة بأنها ساعدت أيضا على بزوغ بيئة إقليمية تهدد وتضعف هيمنة الفكر الناصري والأفكار الجمهورية العربية اليسارية المتطرفة والمعادية للأنظمة الملكية. كما أشارت مصادر معلوماتية أيضا إلى أن المؤسسة الدينية الوهابية السعودية طالبت في ذلك الوقت بتأسيس مؤسسة تعليم عال إسلامية سعودية؛ وذلك كرد جزئي وتعويض عن إنشاء جامعة الملك سعود عام 1957 والتي كانت تتوجه نحو تدريس تخصصات علمانية (أي غير دينية).....
وعند تأسيس جاسمد، كان الملك سعود يقود المملكة العربية السعودية. وكان فيصل يشغل منصبي ولي العهد ورئيس الوزراء ويتمتع بسلطات واسعة باعتباره رئيساً للوزراء لمعظم الفترة التي سبقت افتتاح الجامعة الجديدة. ثم بويع فيصل ملكاً في عام 1964. ومع هذه الخلفية، من الصعوبة الجزم 100 % عن أيّ الرجلين كان هو القوة الدافعة الحقيقية للمشروع التبشيري الجديد. (4)
أقسام جاسمد
وعندما فتحت جاسمد أبوابها، كانت تتألف فقط من قسم للدراسة الثانوية وقسم للدراسة الجامعية. كان الطلاب الذين التحقوا في القسم الأول يقضون عادة ثلاث سنوات هناك، بينما يتكون برنامج الدراسة في القسم الثاني من أربع سنوات. وبالإضافة إلى اللغة العربية، شملت المواد التي تُدَرَّس: التوحيد، والفرق الإسلامية، والفقه، وأصول الفقه، وعلم الحديث، وعلم الميراث، والتاريخ الإسلامي، وتفسير القرآن، والتجويد. (5) وفي عام 1963، جرى تغيير اسم قسم الدراسات العليا ليصبح كلية الشريعة، وشهدت السنوات الموالية تأسيس مجموعة من الكليات الإضافية: كلية الدعوة وأصول الدين في عام 1966؛ وكلية القرآن والدراسات الإسلامية في عام 1974؛ وكلية اللغة العربية في عام 1975؛ وكلية علم الحديث والدراسات الإسلامية في عام 1976. (6) وافتتحت الجامعة أيضاً قسماً للدراسات العليا في عام 1975، (7) والذي سيمنح لاحقاً درجات ماجستير ودكتوراه. وفي عام 1964، جرى ضم مؤسسة «دار الحديث» الموجودة في المدينة المنورة مع جاسمد. وفي عام 1971، جرى ضم مؤسسة بالاسم نفسه (دار الحديث) في مكة مع جاسمد أيضا. (8) وجرى تقسيم مستوى ما قبل الجامعة إلى معهد ثانوي، ومعهد متوسط، وقسم مستقل يدرس اللغة العربية لغير الناطقين بها. (9)
هوامش المترجم:
** **
(*) يشير المؤلف في الهامش رقم (26) إل ى أنه في عام 1977، على سبيل المثال، كان مقدار الراتب الشهري لطلاب المرحلة الجامعية 525 ريالا سعوديا. وأبلغني مصدر معلوماتي شفهي حديث جداً بأن الطالب أصبح يستلم لاحقاً 850 ريالا شهريا في مرحلة البكالوريوس، وتصبح المكافأة 1?000 ريال لمرحلة الدراسات العليا، بالإضافة إلى مبلغ مقطوع بدل كتب ومراجع سنوياً. (فاركوار/العيسى)
(**) حرفياً (VERBATIM) من كتاب حافظ وهبة «جزيرة العرب في القرن العشرين»، ط-1، عام 2010، ص-130، الدار العربية للموسوعات. (العيسى)
يتبع
د. حمد العيسى - الدار البيضاء
hamad.aleisa@gmail.com