د. صالح بن سعد اللحيدان
ومن هنا وبعد الذي سلف من قول لعلي أحمد عليه عن القدر إذ بذلت واسعاً من الجهد ونحوت مجتهداً صوب التنبيه والدليل والتعليل، أبين هنا فقط إشارات لا بد منها، لعلها جرت وتجري على الألسنة حتى لعله من علية القوم (دع عنك العوام)، وهذا الذي يجري إنما مرده الجهل بحقيقة القدر من الناحية العقلية العالية الفهم التركيزي ناهيك عن الخلط بينه وبين القضاء هو ما يجعل الأمر ملتبساً عند الأكثر.
وهذه نماذج تجري على بعض الألسنة بجهل وبتعالم أحياناً أوبفهم فيه من الخطاء بقدر ما فيه من الجهل الجريء وأحياناً بسبب فهم جلبه شرح ممن لا يحسن الشرح حتى إن كان من طلاب العلم للجهل بأصول التقعيد والتأصيل لمثل هذا الأمر الجليل الذي يحتاج إلى مكنة من العقل قوية.
فمن هذه النماذج عند حصول شيء ما يقول القائل مثلاً
1 - قضاء وقدر - وهذا خلط
2 - هذا قضاء الله وقدره- وهذا كلام عام
3 - هذا قدر يا أخي- وهذا كلام عام
4 - ما كتب على المخلوق كائن- نعم لكن أين التفريق
5 - القضاء محتوم- وقد لايقع بإذن الله تعالى
6 - الأقدار صايرة- صحيح لكن أين البيان
7 - يا أخي قدر- كلام عام فيه خلط
8 - قضاء وخلاص- ليس كذلك أين التفصيل
ولا جرم فإن هذه الألفاظ دارجة ولأن القائل قد فاته المعنى فهي عنده مسلمة،
وعند الجزء الأول من العدد السالف 16872 منيوم اسبت الخالي ندرك الفرق بين القضاء والقدر وأن الخلط بينهما ليس صواباً..
لقد قلت من قبل إن القدر هو ما قدره الله جل وعلا على كيفية أرادها سبحانه وتعالى؛ ككون الإنسان أسود أو أبيض أو كونه طويلاً أو قصيراً أو أنه ولد أعمى أو أنه ولد مجنوناً هذا هو القدر وهو ما قدره الله جل وعلا سلفاً ولا حيلة للبشر فيه.
ولكن القضاء هو محط القول هنا كما ذكر الله سبحانه وتعالى، كما في سورة براءة والأنفال والنحل والإسراء ويس ونوح.
القضاء هو ما للإنسان فيه اختيار كالزواج والبيع والشراء والسفر والعدل والأمانة، وهذا هو ما يحاسب عليه الإنسان يوم القيامة ما لم يعجل الله تعالى العقوبة في الدنيا والآخرة كالزنا والعقوق مثلاً.
ولهذا قال تعالى في حقيقة القضاء: (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها)، فجعل جل وعلا للبشر اختياراً لأن لديه الاختيار ووهبه العقل والإرادة والعمل كما وهبه القول.
وقال سبحنه وتعالى: (وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)، سواء الكتاب والسنة، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم قد قال (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) والحديث صحيح.
والعمل بالقرآن وحده دون السنة هذا هو المروق لأن القرآن جاء مجملاً وجاءت السنة الصحيحة مبينة لهذا الإجمال كشروط العدل والأمانة وكعدد ركعات الصلاة وأنصبة الزكاة.
ولعل من أصعب ما يمر به الإنسان في هذه الحياة في حقيقة القضاء هو الإيغال في تحكيم النفس وإحاطة الهوى بالعقل، ثم حجبه كلياً، ذلك حتى يصل المرء إلى ما يريد من هوى النفس وحيلها وميولها إلى حب الصيت
والمشكلة غشيان النفس وطغيان العاطفة على العقل، وهذا مشد عند المرء نفسه إذا خلا بها وحاكمهما بتأنٍ ووضوح رؤية وصفاء ذهن وجعل نفسه حكماً مستقلاً كأنه شخص آخر ليس له إلا الحكم.
والمشكلة هنا هي في عمى البال والعيش دون تفكير عقلي مكين ودون تفكير منطقي لا جرم ثقيل وترك الحبل على الغارب بصرف النظر عن القضاء وبصرف النظر عن القدر هنا، فقد ينتكس المرء فيرى الحياة في صورة عذاب إن غطى هذا بالرفاهية والمتعة والترحال هنا وهناك.
وحقيقة القول دائماً بالعبرة المشاهدة أبداً بالنتيجة حال الهرم أو مرض عضال لا يرجى برؤه أو قل ما يجري نحو هذا وما في معناه.