خالد محمد الدوس
علم الاجتماع من العلوم الإنسانية الحديثة التي تشكل المرتكز الأهم للدراسات الاجتماعية وأكثرها جذبًا للناس، ولكنه ليس أسهلها ولا أبسطها في الدراسة، وذلك لأن العلاقات الإنسانية التي تمثل موضوع هذا العلم الحيوي يمكن أن تكون معقدة أشد التعقيد، كما يزيد من صعوبة هذه الدراسة ويعوقها، أن أهم جوانب العلاقات الإنسانية ليس واضحًا للعيان وليس ظاهرًا، بالإضافة إلى أن بعض جوانبها لا يمكن ملاحظته ملاحظة مباشرة، وهنا تكمن درجة الصعوبة والغموض. ولقد اهتم عدد كبير من المفكرين والباحثين في الشرق والغرب وفي عالمنا العربي بالدعوة إلى إثراء هذا العلم الأصيل واستخدام مناهجه العلمية في دراسة المجتمع وظواهره واكتشاف قوانين النظام الاجتماعي الذي يحافظ على استقرار المجتمع وضبط توازنه، وقد ساهم كثير من المفكرين والمنظرين والعلماء في إثراء هذا الميدان العلمي الخصيب، وإشباع اتجاهاته السوسيولوجية، ومن أهم المنظرين في علم الاجتماع السعودي الأستاذ الدكتور (إسماعيل كتبخانة) الذي يعد من الباحثين والعلماء في عالمنا العربي ممن أثروا مكتبة التراث الاجتماعي في ميدان علم الاجتماع والاجتماع الثقافي بمؤلفاته وأبحاثه ومقالاته الرصينة.. إذ اعتمد كتبخانة -في منهجيته السوسيولوجية- على معطيات نظرية مؤسس علم الاجتماع العربي (ابن خلدون) الواردة بمقدمته المعروفة واعتبره المنظِّر الحقيقي ودارساً متمعِّناً للمجتمع العربي في تلك الحقبة.
ولد عالم الاجتماع إسماعيل كتبخانة في مكة المكرمة من بيت علم، فهو ابن السيد خليل كتبخانة رجل الفكر والعلم والثقافة -رحمه الله- وحصل على شهادة البكالوريوس في علم النفس التربوي من جامعة الملك عبدالعزيز بمكة المكرمة عام 1395هـ، ودرجة الماجستير في علم النفس عام 1398هـ، والدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة ولاية ميتشجن بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1406هـ.عمل البروفيسور كتبخانة محاضراً بقسم الاجتماع بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة عام 1398هـ، ثم صدر قرار المجلس العلمي بترقيته أستاذاً مشاركاً بقسم الاجتماع عام 1413هـ، وأستاذاً لقسم الاجتماع عام 1419هـ، وذلك تتويجاً لإسهاماته البحثية والتعليمية والأكاديمية الثرية. كانت سيرته الاكاديمية الوظيفية حافلة بالمعطيات والإنجازات العلمية، حيث ترأس قسم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الملك عبدالعزيز من عام 1408هـ إلى عام 1417هـ، ثم عميداً بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الملك عبدالعزيز، اعتباراً من 7-2-1417هـ حتى نهاية عام 1422هـ، ثم مديراً لمركز البحوث بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، ثم رئيس هيئة تحرير مجلة جامعة الملك عبدالعزيز وعضو المجلس العلمي وعضو لجنة الترقيات العلمية لأعضاء هيئة التدريس بالجامعة، وقد ساهم في نشر العديد من المقالات والموضوعات في الصحف السعودية ولسنوات عديدة تحت زاوية (قضايا اجتماعية).
كما كان للبروفيسور كتبخانة العديد من المؤلفات والدراسات التي قام بإعدادها منذ حصوله على درجة الدكتوراه قبل ما ينيف على ثلاثة عقود زمنية. ومن أبرز مؤلفاته في مجال علم الاجتماع كتاب (أسس علم الاجتماع) الذي حقق معدلات عالية في نسخ التوزيع محلياً وعربياً كمرجع رصين للباحثين والمنظرين ولطلاب علم الاجتماع وميادينه، وهو كتاب شامل يتناول موضوعات عدة تم رصدها في عشرة فصول، أهمها تناول المفاهيم، النظرية والمنهجية والجماعات الإنسانية والمشكلات الاجتماعية والسلوكيات الانحرافية وغيرها من الموضوعات السوسيولوجية التي تعد مرجعاً مهماً لطلاب البكالوريوس والدراسات العليا في علم الاجتماع.
كما ساهمت خبرة عالم الاجتماع كتبخانة وأفقه السوسيولوجي الثقافي الواسع وحذقه في تأليف موسوعة (استثنائية) بأبعادها الاجتماعية والتاريخية والإنثروبولوجية الثقافية.. بعنوان (ثقافة المجتمع المكي خلال قرن ونصف القرن 1300- 1436هـ)، تقع في تسعة مجلدات، تتناول ثقافة مكة المكرمة بالتفصيل في بعدها المادي والمعنوي، وتاريخ العمران بمكة المكرمة لأكثر من قرن، تلك الثقافة المكية البديعة التي تمثل أسلوب مجمل حياتها وتراثها الاجتماعي المتفرد والنابع من العقيدة الإسلامية الصحيحة.. ومن الجوانب التي تناولتها الموسوعة العملاقة ما يلي: المسجد الحرام والمساجد التاريخية، حارات ومساكن مكة المكرمة، المهن والحرف التقليدية، العادات والتقاليد المكية المرتبطة بالألبسة والأطعمة والترفيه والعادات المرتبطة بالمناسبات الدينية والزواج وغيرها، والتعليم التقليدي والحديث، والمكتبات، الأبعاد الثقافية والعلمية والأدب المكي بكل فنونه الأصيلة ومجالاته، التنظيمات للقطاعات الحكومية والأهلية والخيرية، وقد اعتمدت هذه الموسوعة العملاقة التي على الكثير من المصادر والمراجع وإجراء مقابلات مكثفة مع كبار السن وغيرهم، ويمكن أن يستفيد منها العديد من الجهات، أبرزها المراكز البحثية والمكتبات الجامعية والأكاديميين والباحثين في الشأن الاجتماعي الثقافي، ليبرهن بذلك على أن علم الاجتماع الذي ولد في حضن التاريخ يمكن أن يعود إليه من جديد..!
- باحث اجتماعي