مَن منا لا يدرك أهمية الرياضة في حياتنا اليومية؟! فالرياضة هي الطريقة المثلى لملء أوقات الفراغ فيما هو نافع ومفيد.. كما أنها بمنزلة علاج للقلق والضغوطات النفسية التي نعاني منها في حياتنا العصرية. ومن المعروف أن الرياضة تهذب النفس وتنمي الأخلاق، وتحسِّن علاقاتنا مع الآخرين.
وانطلاقًا من هذه الأهمية الكبيرة للرياضة التي أصبحت تتعدى كونها وسيلة للترفيه لتصل إلى النواحي الاقتصادية والاجتماعية والصحية، تسعى المملكة العربية السعودية إلى توفير نمط حياة صحي للمواطنين والمقيمين فيها على اختلاف أعمارهم وأجناسهم، وذلك عبر توفير مجموعة من البرامج المتخصصة والمتطورة والمبادرات التي تركز على اعتماد أساليب الحياة الصحية، وتعزز السلوكيات الصحيحة إدراكًا من القائمين على هذه البرامج بأن الحياة في الصحة لا في الوجود.
ولكي تتحقق هذه المساعي بالصورة المرجوة لا بد من التعمق في دراسة علوم الرياضة وما تقدمه من دعم للياقة والكفاءة الحركية والوظيفية للتوصل لصياغة أساليب التدريب الرياضي الأمثل والأكثر انسجامًا مع قدرات الرياضيين.
واليوم تشهد الأبحاث العلمية والعلوم الرياضية تطورًا لافتًا، وهو أحد الأسباب الرئيسة التي تساعد الدول الرائدة رياضيًّا والمتقدمة في الألعاب الأولمبية على تحقيق النجاح الدائم.. فقد استثمرت كل من الولايات المتحدة والصين والمملكة المتحدة وفرنسا وروسيا وألمانيا وأستراليا بشكل كبير في الأبحاث والدراسات المرتبطة بعلوم الرياضة.
وتشتمل هذه العلوم الرياضية على عدد من المجالات المهمة، هي:
1 - «التغذية»، ويُعنى هذا المجال بدراسة طبيعة مكونات الأغذية وقيمتها الغذائية ومدى ملاءمتها لنوع النشاط الرياضي الذي يمارس. وعمومًا، يحتاج الرياضي إلى اتباع نظام غذائي متوازن؛ لكي يحصل على جميع احتياجاته من العناصر الغذائية الضرورية التي تشتمل على الفيتامينات والدهون والكربوهيدرات والبروتينات والمعادن، مع مراعاة كمية ونوعية الغذاء الذي يتم تناوله حسب احتياجات التدريب.
2 - «التقنية الرياضية»، وهي أحد المجالات الرياضية المهمة التي تشهد تطورًا سريعًا. ويساهم هذا المجال في تعزيز صناعة الرياضة عبر اعتماد تقنيات التدريب المتطورة التي تسهم في تحسين مستوى الأداء من الناحيتين الفنية والبدنية، وتساعد على تجنب مخاطر الإصابات لتحقيق أفضل النتائج.
3 - «الطب الرياضي»، وهو المجال الذي يهتم بتقديم طرق لعلاج الإصابات أو الأمراض الرياضية، وتطوير التقنيات المرتبطة بالعلاج الطبي في مجال الألعاب الرياضية، إضافة إلى تحديد الوسائل المناسبة للوقاية من الإصابات الرياضية وعلاجها. ويتم ذلك من خلال دراسة وظائف ومكونات أعضاء الجسم الداخلية والخارجية؛ ليتمكن الطبيب المختص من تشخيص ومتابعة الحالة الطبية بشكل مستمر. كما يساعد الطب الرياضي على شفاء الرياضيين من إصاباتهم خلال وقت أقصر؛ إذ يتم دعمه بالعلاج الفيزيائي الذي يضمن عودة اللاعب إلى ممارسة رياضته بشكل طبيعي مع الحفاظ مستوى الأداء.
4 - «علم الفيزيولوجيا الرياضية» الذي يهتم بالدراسة العلمية للوظائف الحيوية لجسم الإنسان، بما في ذلك النمو والتطور، وعمل الأنسجة المختلفة والأعضاء والتركيب التشريحي للجسم.. وتتم أيضًا دراسة العمليات الكيميائية الحيوية والبدنية والميكانيكية الطبيعية للرياضي. ومن خلال دراسة وظائف الأعضاء يتم انتقاء الرياضيين لممارسة رياضة معينة، بما يتناسب مع خصائصهم البيولوجية، ويتم التعرف على تأثير طرق التدريب على الأجهزة الحيوية لجسم الرياضي لتقنين وتوزيع الحمل التدريبي، وتجنب الجهد البدني والتعرُّض للإصابات. كما تساعد الاختبارات والمقاييس الفسيولوجية على ضمان ملاءمة حمل التدريب لمستوى الرياضي، والكشف عن أي خلل في الحالة الصحية، ومن ثم معالجته.
5- «الميكانيكا الحيوية»، وهو علم الحركة التطبيقية الذي يبحث في حركة الرياضي من جميع النواحي (التشريحية، الفسيولوجية، النفسية، البدنية، الميكانيكية، الفيزيائية)، ويتعامل مع القوة المؤثرة على الجسم، سواء في حالة الثبات أو الحركة. ويتطلب التحليل الميكانيكي تحديد القوانين والأسس في توضيح الأداء، ويعرض العديد من الطرق والأدوات والأجهزة المساعدة على تسجيل الحركة؛ إذ يقوم المحللون بمراجعة الحركة الأكثر كفاءة للرياضي لضمان النجاح، وتحقيق أفضل أداء ممكن. ويتم تحليل كل حركة بدقة متناهية لإظهار ميكانيكية توليد القوة؛ لكي يمكن للمحلل أن يحدد جودة الحركة من أجل تقديم أفضل الحلول العلاجية الملائمة؛ وذلك بهدف تحسين الأداء.
6 - «علم النفس الرياضي» الذي لا يقل أهمية عن المجالات سالفة الذكر؛ فهو المجال الذي يهتم بالحالة الذهنية وفهم السلوك الرياضي وتفسيره، ومعرفة أسباب حدوثه، والعوامل التي تؤثر فيه.. إلا أنه - وللأسف - لا يلقى الاهتمام الكافي في هذا الجزء من العالم. علمًا بأن وجود رياضيين أقوياء، يتحلون بالعزيمة والقدرة على تحمل الانفعالات العاطفية والجهد البدني، يساعدنا على تحقيق التفوق الرياضي الذي نطمح إليه في البطولات الكبرى وفي الألعاب الأولمبية.
وانطلاقًا من أهمية هذه العلوم الرياضية، ودورها في تحقيق النجاح المستدام في المسابقات الرياضية، لا بد لنا من تشجيع متابعة الدراسات في هذه المجالات، وتطوير البحوث العلمية، وتعزيز جهود القطاعات المهنية من أجل تطوير المنظومة الرياضية السعودية.
وفي هذا الإطار سيكون لمشروع القدية دور كبير؛ إذ يسعى هذا المشروع، من خلال ركن الرياضة والصحة، إلى تأسيس بيئة رياضية صحية متكاملة ومنتجة، تهتم بتطوير الأبحاث المرتبطة بتطبيقات علوم الرياضة عبر إنشاء مركز للأداء العالي، ومركز أبحاث متقدم مع مركز للتطوير المهني والرياضي، إضافة إلى مكتبة تفاعلية؛ وذلك بهدف خلق منظومة متكاملة للتطوير الرياضي، واعتماد برامج التطوير المهني التي تهتم بتأهيل الكوادر السعودية لرفع كفاءة المدربين والإداريين والمختصين في مجالات متنوعة من المهن الرياضية. كما سيتم إنشاء مركز محاكاة رياضي، يسهم في اكتشاف المواهب الرياضية وتدريبها، وخصوصًا في مجال الرياضات التي تمارس في تضاريس وأجواء تختلف عن طبيعة مدينة الرياض والمملكة العربية السعودية، كرياضة التجديف أو التزلج، أو غيرها من الرياضات الشتوية والمائية؛ إذ سيتم توفير بيئة مشابهة لتمكين الرياضيين من تطبيق وتعلم الأداء الحركي وإتقان المهارة.
وسوف يشتمل مشروع القدية أيضًا على ركن «الحركة والتشويق» المعني برياضات المحركات والمغامرة التي تتنوع أنشطتها بين رياضات السيارات بأنواعها، والدراجات النارية، والرياضات الهوائية والمغامرات الشيقة. وهو ركن أساسي لا يقتصر على تقديم العروض والتجارب الممتعة، بل سيوفر فرص تعلم ومراكز تدريب وتطوير عالمية متكاملة ومجهزة بأحدث التقنيات.
وبهذا سوف تكون القدية مركزًا للهواة والمحترفين لتنمية مهاراتهم، وتوسيع مجالات اهتمامهم. وسوف تدعم فكرة تأسيس استراتيجية للبحوث العلمية من أجل فهم أفضل للرياضة واحتياجات الرياضيين؛ لكي تتحقق الاستفادة من شراكات جامعاتنا السعودية مع الجامعات الدولية، واستقطاع جزء من الإنفاق الحكومي السخي على البحوث العلمية؛ ليصب في صالح علوم الرياضة بهدف الارتقاء بمستوى الأداء الرياضي، والمساهمة في تحسين نمط حياة الفرد والأسرة، وبناء مجتمع حيوي، ينعم أفراده بأسلوب حياة متوازن لتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030.
** **
المأمون الشنقيطي - المدير التنفيذي لقطاع الرياضة والمتحدث الرسمي لمشروع القدية