د. أحمد الفراج
يعاتبني بعض الإخوة أحيانا، حول ما يعتقدون أنه هجاء للديمقراطية الغربية، فهناك من يحمل في ثناياه تقديسا لها، وأنها فوق الشبهات، وعندما أنتقد بعض السلوكيات، أو القرارات السياسية، التي لا تشبه الحراك الديمقراطي، فلا يعني هذا أنني أهجو الديمقراطية ذاتها، فجوهر الديمقراطية هو النقد!، كما أن هناك نقطة في غاية الأهمية، يغفل عنها المهووسون بالديمقراطية بالمجمل، وهي أن الحراك الديمقراطي في كل مكان، خصوصا في العوالم المتخلفة، يفرز ساسة من ضعاف النفوس، غير المؤهلين، الذين يسقطون أمام اختبار الإغراءات المادية وخلافها، فنحن نعيش في زمن شراء الذمم، في سوق نخاسة إعلامي، ويستوي في ذلك السياسي الشرقي مع الغربي، المحافظ مع الليبرالي، الرجل مع المرأة، فالتمسك بالمبادئ والقيم مهمة في غاية الصعوبة!.
أقول وأكتب دوما : «أن الإنسان هو الإنسان، في كل زمان ومكان، تحركه الأطماع والشهوات، وتُحضِّره القوانين قسرا»، فلا تعني ولادة الإنسان الغربي في مجتمع ديمقراطي، أنه سيصبح نزيها يتمسك بالمبادئ والقيم، ولا تعني ولادتك في مجتمع غير ديمقراطي، أنك شرير بلا قيم، ولعلي أكرر لكم قصتي مع صاحب العقار ، الذي كنت أسكن في أحد منازله، حينما كنت أدرس وأعيش في إحدى الولايات الأمريكية، وهو أمريكي من أصل سويدي، ولكن هذا لم يجعله متحضرا، فقد كان محتالا يكره الأنظمة والقوانين، ويطلب من السكان تسليمه الايجار نقدا، حتى يتمكن من التهرب من دفع الضرائب، هذا مع أنه غربي أباً عن جد، فالسويد واحدة من أعرق المجتمعات الديمقراطية الغربية وأكثرها تحضرا، ولكنه في حقيقته يمارس شتى الحيل، من أجل خداع السلطات، والتهرب من استحقاقات الحراك الديمقراطي، وما يتبعه من عدالة وحقوق ومتطلبات!.
عندما أتحدث عن ساسة أمريكيين تخلوا عن المبادئ والقيم لأجل مصالح خاصة، مثل السيناتور، ليزلي قرام، الذي كتبت عنه مقالي الماضي في هذه الصحيفة الموقرة، فهذا ليس أمرا جديدا، فقد سبقه ساسة كثيرون، في أمريكا وأوروبا، تمت إدانتهم بقضايا فساد مالي وأخلاقي، ولعلي أعيدكم للتاريخ، ولحكاية نائب الرئيس الأمريكي، جورج بوش الابن، السياسي الشهير، ديك تشيني، فقصته مع شركة هوليبيرتون، خلال حرب العراق في عام 2003، يعرفها القاصي والداني، أو قصة بول بريمر، الحاكم الأمريكي في العراق بعد احتلاله، ومليارات الدولارات التي لا يعرف مصيرها حتى اليوم، فلئن كان هناك ساسة عيار ثقيل غربيون، يمثلون القيم الديمقراطية الحقيقية، فهناك لصوص في ثياب ساسة، امتهنوا السياسة لمصالح خاصة، والخلاصة هي أن نقد بعض إفرازات الحراك الديمقراطي الغربي، لا يعني نقد وهجاء الديمقراطية ذاتها، فهل اتضحت الصورة؟!.