د.فوزية أبو خالد
حق لشهدائنا في حرب اليمن أن نكتب أسماءهم بماء الذهب وبماء العين لا بسواد الحبر ولا برقائق مفاتيح الكمبيوتر.
كل أسماء الشهداء، أطلقوها على المدارس والشوارع والميادين إن لم يكن في كل أنحاء الوطن وهذا استحقاق، فعلى الأقل في الأقاليم والمناطق والقرى المتورية التي ينتمي إليها الكثير منهم.
فهذه أسماء لبشر كانوا مثلهم مثل بقية البشر يعيشون اليوم بأمل المستقبل, لهم آباء يرجون برهم لهم في كبرهم، لهم أمهات لا ينمن إلا بعد أن يحصنونهم بأسماء الحسنى ويقرأن عليهم المعوذات ولو كانوا في بيوت مستقلة، لهم أطفال بلهفة ينتظرون دخلتهم ويتلذذون بنداء «بابا... يبه.. أبي... أبوي.. جاااااااااااء، ولهم زوجات يتزين من أجلهم بزينة الحب وبزينة العطاء وبزينة الزي والمكياج والطيب، لهم أسفار مع أسرهم كانوا يخططون لها، ولهم أحلام في نجاحات الأبناء في بناء بيت مُلك في حجة أو عمرة وفي بلوغ مراتب مهنية أعلى كانوا يعقدون العزم على تحويلها لحقيقة كان لهؤلاء -رحمهم الله- أماكن تحن لحضورهم، ليل يشتاق لسهراتهم، أصدقاء من أيام عهد الطفولة ترن ضحكاتهم في ذاكرتهم. كان لهم ميول وهوايات وأمنيات، أسرار وأفراح وأحزان.
كان لهؤلاء دعاء بأن يعود رمضان وتعود الأعياد عليهم هم وأهلهم أعوامًا عديدة وهم ينعمون بالصحة والأمن والسلام في وطنهم.
فماذا نقول أو نفعل لهؤلاء الذين استشهدوا نيابة عن كل منا؟ ماذا يمكن أن نقول أو نفعل لشهيد كتب بصوته على اليوتيوب أنا ذاهب غدًا في مهمة وطنية استجابة لنداء الواجب وقد لا أعود فسامحوني. نقول له ولرفاقه من الشهداء بل أنت الذي سامحنا فمهما قلنا ومهما فعلنا لن نوفي شهقة من شهقات روحك الطاهرة وهي ترتفع لبارئها فداء لتراب البلاد ودفاع عن الدولة والمجتمع وعن القيادة والشعب.
ماذا نفعل لمن اشتروا عن طيب خاطر بقاء الدولة برحيلهم واشتروا حياة المجتمع بموتهم؟
أعرف أن هناك تقديرًا ووفاءً تجاههم وتجاه أسرهم مثل إعطائهم الرتب العسكرية التي تلي الرتبة التي كانوا عليها عند استشهادهم، ومبلغًا جيدًا من المال، ومثل مطالبة بعض الزملاء بمنح بيت ملك لأسرهم وضمان بنكي بقيمة مليون ريال لأسرة الشهيد مع ضمان علاج وتعليم أطفالهم لما بعد المرحلة الجامعية ومثل استضافة أبنائهم في المناسبات الوطنية, وذلك للرفع من المستوى المعيشي لأسرة الشهيد، خاصة وأن الكثير من أولئك الأبطال ينحدرون من مناطق بعيدة عن المدن الرئيسة وبعضهم لا تزال أسرهم تعيش في الأطراف وبعضهم ينتمون لطبقات رقيقة الحال.
هذا مع ضرورة التكريم المعنوي والأدبي للشهداء بطبيعة الحال بما يخلد أسماءهم وفداءهم لتراب أرض البلاد بدمائهم وأرواحهم. وقد تكون هناك اجتهادات وجيهة في كيفية تحقيق ذلك بمثل ما أشرت إليه في صدر هذا المقال وهي قابلة للحوار والنقاش.
أكتب هذا المقال بمفاتيح الأمل بأن يُسرع اتفاق السويد الذي أعلن فيه أنتونيو جوتيرش أمين عام الأمم المتحدة الخميس الماضي التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار، وانسحاب الحوثي من الحديدة، والعمل على إرساء حل سياسي سلمي وجذري يضع حدًا نهائيًّا للحرب في اليمن. بما يعيد لليمن ويعيد الفرصة للجميع للعمل على توفير كل الشروط الضرورية لرد الاعتبار للسلام ولبناء السلام الداخلي والخارجي على كافة أصعدة النهوض والتقدم سياسيّا واقتصاديّا واجتماعيّا بعد أن يعود الحكم للقيادة الشرعية في كل أنحاء اليمن بعيداً عن سيطرة الحوثيين وتآمرهم مع النظام الإيراني على اليمن.
الأسبوع القادم:
فوز الروائية أميمة الخميس بجائزة نجيب محفوظ