سمر المقرن
من أكثر السلوكيات المريحة للنفس هي تجاهل النميمة، في ظل انتشارها من حولنا، وسيطرتها على كثير من أمور ومجريات الحياة، وهي من أهم أسباب القلق والتوتر بل والأمراض التي قد تفتك بصاحب الأذن المفتوحة للنميمة. في كل مكان هناك من يتحدث عنك، ولو فكرت قليلاً أنه كلما كثر الحديث عنك فهذا يعني أنك مؤثِّر وقد أنهكت من حولك من الحاسدين، حتى أنك وصلت كهدف أساسي لعشَّاق النميمة.
وللتجاهل فنون، من أقوى أساليب الرد عليها هو التعامل بأسلوب راق مع النَّمام، ولو مدحته أو أشدت به فأنت تُشعره بهزيمته وضعفه، شرط أن يكون هذا التصرف نابع من قناعة داخلية لديك بأنك فعلاً لا تتأثر بالنميمة. لكن لطفك وذوقك وتعاملك الأخلاقي لا يعني أن تجعل النَّمام قريباً منك أو تشعره بأنه صديقك، بل يجب أن يشعر أنه منبوذ من داخلك وأن هذا التعامل اللطيف ما هو إلا نابع من تربيتك وأخلاقك.
بثقة أقولها، إن الصديق أو الشخص الذي يحبك لا يُمكن أن ينقل إليك أي حديث يحمل مشاعر سلبية تؤثِّر عليك، لكنه في المقابل يحاول تحذيرك بشكل غير مباشر أو مباشر على ألا يؤلمك إنما لتحترس وتفطن ممن يريد إيذاءك.
للأسف، أن سلوك النميمة لا يُمكن أن نحدّده لدى فئات معينة، لأنه ينتشر في السلوكيات المجتمعية وله مبررات ثقافية وإيدلوجية تجعله ينتشر بصفة شرعية تحت ذرائع متعدِّدة ومختلفة التوجهات بين شرائح عديدة من الأعلى تعليماً إلى الأقل والعكس، فالتعليم والثقافة لم يحدان من انتشار هذه السلوكيات، بل إنها تتكاثر بهدف الإقصاء وإرضاءً لمشاعر الغيرة!
النميمة تبدأ من سنوات النشأة الأولى، هي سلوك حياة وتربية، منذ أن يتم السماح للطفل في سنواته الأولى بممارسة النميمة والاستمتاع بما ينقله من أحاديث تتشكِّل في شخصيته وتصبح منهجاً اعتيادياً للإنسان، لا يستهجن نفسه ولا يستهجنه المجتمع القريب منه على هذه السلوكيات السلبية!
ممارسة النميمة في نظري هي ترجمة واقعية لعدم ثقة الإنسان في نفسه، يحاول هذا النوع من البشر ردم صدع هذه الثغرة القوية في شخصياتهم من خلال هذه الممارسات التي تمنحهم التعويض الكافي عن الثقة المهزوزة، وتعطيهم لذة الانتصار!