ليس أمام الرئيس الفرنسي «ماكرون» للخروج من أزمته الراهنة أي بصيص أمل مهما قدم من تنازلات للشعب الفرنسي، بعد أن استثارته القرارات الأخيرة التي مست حياته وزادت مشاكل البلاد الاقتصادية حدة، وأدخلتها في المجهول.
وهو وإن تراجع عن تلك القرارات مؤخرا حين أطل على الشعب، بل وطالب بزيادة الحد الأدنى للأجور وعدم المساس بدخل المتقاعدين وإلغاء الزيادات في أسعار الوقود بأنواعها، إلا أن الشارع الفرنسي كان قد اشتعل بخروج آلاف المرتدين للسترات الصفراء، وما عبروا به من غضب أدى إلى تدمير الكثير من الواجهات السياحية والمحال التجارية الفارهة في العاصمة باريس. لا سيما في الشانزليزيه وتركيديرو وساحة الكونكورد. وهي الواجهات الأجمل في العاصمة الفرنسية.
أتوقع بعد كل هذا أن يقوم الرئيس بحل الحكومة لإرضاء الشارع، لكن ذلك لن يكون كافيا، حيث سيواصل اليمين المتطرف واليسار المتشدد الخاسران في الانتخابات الأخيرة أمام «ماكرون» في ممارسة المزيد من الضغط لدفع الرئيس إلى الاستقالة في النهاية، وإدخال البلاد في حالة فراغ سياسي، وإن كان المرتقب الإعلان عن انتخابات رئاسية مبكرة. لأن اليمين واليسار متأكدان بأن «ماكرون» سيخسرها. وبالتالي فإنهما قد يشكلان تحالفا ثنائيا ويقفزان إلى كرسي السلطة. ولا أستبعد أن تتسبب موجة التغييرات الفجائية الحادة ومجيء اليمين واليسار المتشددين إلى الإليزيه في ثورة تدخل فرنسا في حرب أهلية طاحنة.
كل هذا أصبح واردًا، وسوف يؤدي إلى انهيار الوضع الاقتصادي الفرنسي ويعرض أوروبا كلها إلى أخطار حقيقية، ويجعلها تبحث عن هويتها في وقت سوف تتزايد فيه الضغوط الأمريكية لإحكام السيطرة.
علما بأن الوضع الذي تعيشه فرنسا حاليّا ليس جديدا عليها، فهي ومنذ تولي «ساركوزي» الرئاسة ومن ثم «هولاند» ومن بعدهم «ماكرون» تعيش البلاد مرحلة تخبط شديد في السياسيتين الداخلية والخارجية. نتيجة غياب الهوية القادرة على تحقيق التقدم والنمو والرخاء للمجتمع الفرنسي. وجاء اليوم الذي تتحول فيه المدن الفرنسية إلى حرائق وهياكل مدمرة، وكأنها تعيد أوضاع ما قبل الحرب العالمية الثانية وما أعقبها.
وما نتمناه هو أن تزول الغمة ويتم تصحيح الأخطاء ومعالجة السياسات الراهنة والعودة بفرنسا إلى دورها الحضاري والإنساني الخلاَّق.
** **
- محمد بن حمد مسرحي
Twitter: @mmasrahi
mhmasrahi1978@gmail.com