د. فوزية البكر
ربما لا يتذكر البعض ذلك.. فحين كنا صغاراً كانوا فعلاً يدرسوننا الإملاء والخط، وكانت بعض الطالبات يرسبن فيه، ويمكن إعادة الاختبار في الدور الثاني أو حتى إعادة السنة الدراسية كاملة، لأجل الإخفاق في مادة واحدة وهو ما لا يمكن لجيل أبنائنا إدراكه.. سأحاول هنا تعريف ماذا كان يقصد بالمفاهيم السابقة.
اختبار الدور الثاني : يعني أن السنة الدراسية كانت سنة كاملة وليست فصلين دراسيين، بمعنى أن الامتحان النهائي كان سنوياً فقط، فإذا لم يتمكن طالب ما من إحراز المهارة المناسبة في إحدى المواد : خط ، إملاء ، قواعد ، تجويد، فسيرسب بكل تأكيد وسيعيد السنة، وسيظل الطفل أو الطفلة أو المراهق أو المراهقة يسكب دموع الأسف عليها، لذا سيعمل على تجويد المادة التي سيبهر فصله بها في السنة التي تليها لأنه (عايد السنة).
السؤال : ما الذي حدث لأبنائنا منذ أُلغي تدريس الإملاء والخط ، وما الذي ستفعله الوزارة الآن لتدارك الأمر؟.
كما ترون وتلمسون جميعاً تكالبت عوامل عديدة على أبنائنا لتجعل طالب السنة السادسة مثلا غير قادر على القراءة الصحيحة لموضوع في جريدة سيارة، ومنها عوامل تعليمية واجتماعية وأسرية وتقنية.
فعلى سبيل المثال أدى إلغاء مادتي الإملاء والخط مع الإغراق في استخدام الامتحانات الموضوعية (أسهل في التصحيح للمعلمين وأقل دراسة للطالب)، وهي التي لا تتطلب الكتابة مع جنوح المعلمين لاستخدام الملخصات وعدم الدقة في التصحيح بعدم التركيز على الأخطاء الإملائية، إلى إهمال تعلم اللغة العربية، إذ لم تعد هي القافلة التي تحمل أفكار الطلاب، وفي ذات الوقت انتشرت فكرة الحق المطلق في النجاح الحتمي الجماعي لكل طلاب الفصل، والتي ملأت أذهان الأهالي والمدارس بحيث أصبح ترسيب أي طالب يعتبر (مهما فشل هذا الطالب في إتقان المهارة) (ظلماً وحراماً)، وستدخل المدرسة حتماً في صراع مع الأهل أو المشرفين من الوزارة حتى وصل طلابنا في لغتهم العربية الضعيفة إلى ما هم عليه الآن.
الإغراق في استخدام الوسائط الالكترونية التي لا تعترف بالورق أو الكتابة المباشرة جعل من النادر لأبنائنا أن يمسكوا كتاباً ورقياً وأتاح العم جوجل بدائل ونماذج كافية لكل احتياج، فإذا أردت كتابة رسالة لشركة فالنموذج موجود وما عليك إلا النسخ واللصق، فكيف يتعلمون؟
ولعبت العوامل الأسرية دوراً في تحطيم ما تبقي من حصون آمنة كان يمكن أن تحمي لغة أطفالنا، حين أصبحت كل أم فخورة فقط بالحديث مع أطفالها أمام الناس باللغة الانجليزية، وساعد وجود العمالة المنزلية الأجنبية التي تولت عمل الأمهات في الرعاية والمأكل والتحميم والتنويم وقضاء الوقت إلى فقدان وعي الأطفال بمكونات اللغة العربية كلغة أم، فظنوا أن لغة العاملة المنزلية هي الأصل، وزاد استخدام تطبيقات الألعاب والقصص في جوالات الأمهات والمخصصة للأطفال ( وأغلبها باللغة الانجليزية ) إلى غياب شبه كامل للغة العربية عن عالم الطفل حتى وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم .
في دراسة تحليلية قام بها د. فهد الحربي وفيصل القحطاني من وزارة التعليم تحت إشراف وكيل الوزارة للشؤون التعليمية أ.د نياف الجابري ونشرت عام 2017 تحت عنوان «المقدرة القرائية» وفق المعايير الدولية للصف الرابع الابتدائي، وفيها تم تحليل نتائج الطلاب السعوديين الذين شاركوا في دورة 2011 لامتحان بيرلز
Progress In international Reading Literacy : PIRLS
والذي شاركت فيه أكثر من 40 دولة حول العالم، ومن السعودية شارك 4507 طالب وطالبة من السنة الرابعة الابتدائي، وأظهرت النتائج أن طلابنا صنفوا ضمن المستوى الدولي المنخفض وكانت المملكة ضمن الدول الخمس الأقل في قائمة الدول المشاركة، حيث أظهرت النتائج مثلا أن ثلث الطلاب السعوديين لا يستطيعون القيام بأدنى المهارات أو العمليات القرائية.
هذه الأدلة العلمية وغيرها كثير مما نراه من تهاون في تعليم اللغة العربية وعدم الإقبال على القراءة بها دفع الوزارة ضمن مبادراتها التي يقودها قسم المبادرات النوعية إلى إدخال مادة الإملاء والخط والذي سيبدأ مع الفصل الدراسي الثاني لهذا العام وذلك في الصف الثالث الابتدائي، ثم يتم إدخال المنهج تدريجيا إلى باقي الصفوف في السنوات القادمة، وقد روعي في بناء المنهج بتمارينه وصوره وأفلامه ولوحاته الالكترونية شغف هذا الجيل بالتقنية في كل شيء، ويبقى أن للأسرة دور كبير في تأكيد الاهتمام الرسمي بتعلم اللغة العربية عن طريق تأكيد إعادتها للمنزل، بالحوار الدائم مع الطفل بها وعدم ترك شؤونه اليومية واحتياجاته لتلبيها العاملة المنزلية، فنحن نتعلم اللغة حين نكون في احتياج لذلك، ولذا فتلبية احتياجات الطفل من مأكل ومنام ولعب تمثل أفضل الفرص لإعادة تعليم أبنائنا لغتنا العربية فهل ستسمعنا أمهات هذا الجيل؟