رمضان جريدي العنزي
العمر مجرد سنوات عابرة، ركض دائم في دروب الحياة الطويلة وفجوجها الواسعة، رحلة مضنية وسفر منهك، مشقة بالغة وتعب مرهق، نجاحات وإخفاقات، أحزان وأفراح، أبواب تفتح وأخرى تغلق، ولادة وموت، أعراس ومآتم، إفاقة ونوم، يأس وأمل، مرض وصحة، سعادة وشقاء، رضى وخصام، سلام وحرب، برج يبنى وقبر يحفر، أرض بور وحديقة غناء، صعود وهبوط، مناخ مختلف وطقس متقلب، نهار مؤنس وليل موحش، مكابدة وتسهيد، رخاء وشدة، أنواء ورياح، غيث وسحب، جفاف وماء، جدب ونماء، غربان وبلابل، ذئاب وثعالب، فراشات وعقارب، وجوه عابسة وأخرى فرحة، هدوء وصخب، خير وشر، محطات مغادرة ومحطات قدوم، استقبال وتوديع، تساؤلات حائرة، مواقف صعبة، دهشة بالغة، ألغاز حائرة، واكتشافات جديدة، خسائر متتالية، وأرباح كبيرة، ومفاجآت ملفتة، جدول حافل بالأعمال، ويوم مشبع بالارتباطات، وعقل أنهكته التطلعات، وروح تعبت من تراكم الأشغال، وساعات أثقلتها المواعيد، عيون مفتوحة، وعقول مشغولة، وأجساد راكضة، الأيام تمضي، والحياة تسير، والكون كله يدور بانتظام، الليل في موعده، والنهار في موعده، وعقارب الساعة تدور، القطارات والطائرات بلا توقف تسافر من محطة لأخرى، والسفن في البحار والمحيطات عابرة، والناس يرتحلون، إنه العمر مجرد سنوات عابرة تمر كلمح البصر، فانٍ وزائل وله حد ومنتهى وفاصلة، حقيقة يجب أن نعيها وندركها ونعمل لأجلها، يجب أن توقظنا التجارب من السبات، والصدمات من الوهم، يجب أن نعيش بقية أعمارنا منخرطين في أنشطة محورها الحياة النقية والخير والعدل والسلام والإخاء والعطاء والبياض والجمال، وأن ننسجم مع واقعنا الحاصل بكل تفاصيله، وأن لا نستهلك أحلامنا إلى ما فوق الحلم، وأن نترك جانباً العد والحسبة والتكهن والقياس، يجب أن نعمل بشكل سليم دقيق وصحيح، وفق قيم نقية، ومبادئ خلابة، وعلاقات بهية، وصداقات متينة غير شكلية، وأخوة متينة، يجب أن نعيش الاطمئنان بعيداً عن الهاجس، والحقيقة بعيدًا عن التناقض، والصدق بعيداً عن البهت، والرضى بعيدًا عن الازدراء، والتقارب بعيداً عن التنافر، وأن نواجه الذات بالحقائق والشواهد، يجب أن لا نجعل الحياة صعبة ولنا محبطة، وحين تعصف بنا الأزمات علينا أن نتصرف بالعقل والمنطق والحلم الحكمة، لكي نحمي أنفسنا من الشتات، والدخول في الدهاليز المظلمة، يجب أن تكون عقولنا سليمة، وتفكيرنا منطقيًا، وأهدافنا واقعية، وأعمالنا لا يشوبها رياء ولا نفاقلا سمعة، علينا أن لا نكفهر ولا نتضايق ولا نأسى ولا نحزن، وأن نبحث عن مصبات المياه، وحدائق الورد، وحقول الحنطة، وعرائش العنب، والأرض المزدانة بالعشب والشجر، ونلاحق الغيمة الحبلى بالمطر، علينا أن نفرح ونبتهج وتعلو محيانا الابتسامة العريضة، علينا أن نصنع لحياتنا مبادئ قويمة، كي تساعدنا بالنهوض كلما تعثرت بنا الخطى، يجب علينا أن نتذوق حلاوة الحياة، وأن نبتعد كليًا عن مرارتها، يجب أن نزيح الكآبة والملل والسأم من أرواحنا، وندع القلب يفرح، والنفس تمرح، علينا أن نجدد الأشياء التي بداخلنا من جديد، نبعث فيها الأمل والتفاؤل والبشر والاستبشار والارتياح، ونرسم الخير والسعادة والسرور والحبور على وجوه الآخرين، ونبتعد كليًا عن الشؤم والتشاؤم والنكد والأفكار الهشة، يجب أن نعرف بأن لا شيء يبقى على حاله، وأن الثابت متغير، والتبدلات حاصلة، فالأشياء الحارة تصبح بعد حين باردة، والرطبة تصبح جافة، يجب أن لا نعيش في هذه الدنيا وكأننا لن نتركها أبدًا، وأن لا نتنافس على متاعها الزائل بشراسة وكأننا مخلدون ودائمون فيها، فالعمر فيها محدود، والموت لا محالة آت، حوضه مورود، وماؤه مشروب، وكفنه ملبوس، والجسد الذي كان أنيقًا حتمًا سيبلى، سيستوطنه العفن، وسينخره الدود، فحري بالعقلاء -كما يقول الإمام علي كرم الله وجهه - أن «يرتحلوا من الدنيا بأحسن ما بحضرتهم من الزاد، ولا يسألوا فيها فوق الكفاف، ولا يطلبوا منها أكثر من البلاغ».