برعاية كريمة من مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز انطلقت مساء أمس فعاليات المهرجان الوطني للتراث والثقافة «الجنادرية33» تحت شعار: (وفاء وولاء)، حيث يكرم المهرجان في هذه الدورة كلا من: الدكتور علي بن عبد الله الدفاع، و الأديب عبد الفتاح أبو مدين، والدكتورة سمر بنت جابر الحمود استشارية جراحة أورام القولون والمستقيم، بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض التي حققت العديد من الإنجازات الطبية على المستوى العالمي، وحصدت العديد من الجوائز الدولية في هذا المجال الطبي مجسدة بحضورها الأكاديمي، وزمالتها الطبية على المستوى العالمي أحد الشواهد على الموقع الذي تحتله المرأة السعودية في مختلف المجالات العلمية والثقافية والفكرية، والبحثية، عربيا وعالميا، حيث يأتي هذا التكريم انطلاقا من المسيرة التي اختطها قيادة بلادنا الراشدة، منذ أيام الملك المؤسس -طيب الله ثراه- وذلك بالاحتفاء بالعلم، وتكريم أهله من العلماء والرواد ورموز الثقافة والفكر والأدب في المملكة الذين أسهموا في مسيرة التنمية الثقافية في بلادنا، ما جعل من المهرجان الوطني للتراث والثقافة إحدى منصات التكريم التي تأتي إلى جانب العديد من مناسبات التكريم الأخرى التي تزخر بها مناسبات ومهرجانات التكريم في المملكة، حيث يأتي هذا التكريم الوطني بوصفه أبرز المهرجانات الوطنية، وأحد أبرز المهرجانات العربية الذي وصل إلى «العالمية» بجهود حثيثة من قيادة مملكتنا الفتية، وذلك على امتداد أكثر من ثلاثة عقود، من مسيرة التطوير المستمر للمهرجان في مختلف مكوناته التراثية والحضارية والفكرية الثقافية التي جاء ضمنها الاحتفاء بثلاث شخصيات وطنية في كل دورة من مواسم المهرجان. ويعد الدفاع من مواليد مدينة عنيزة بمنطقة القصيم،1938 الذي يعد اليوم صاحب أهم الأبحاث في مجال الرياضيات عن المسلمين والعرب القدامى، ويعد أيضا من قلائل المؤرخين في تاريخ الرياضيات وعلم التكامل حيث لقبه تلاميذه ومجايلوه في التخصص بـ«ملك التكامل»، ومع أنه درس في الجامعات الأمريكية إلا أنه ظل متمسكا بوصية له التحدث باللغة العربية التي حافظ عليها، فكان لا يتحدث الا باللغة العربية (الفصحى)، في جميع المحاضرات غير الرسمية، كما حقق الدفاع ما أوصاه به الملك سعود -رحمه الله- إذ كان الدفاع ضمن الطلاب الخارجين في بعثة دراسية خارج المملكة، إذ قال لهم حينها: أريكم أن تتقنوا رعاية العقول. وقد حصل الدفاع على البكالوريوس من جامعة اوستن باميركا عام 1967 ثم حصل على درجة الماجستير من جامعة الشرق بولاية تكساس بأميركا عام 1968 ثم عمل أستاذا مساعدا في كلية البترول والمعادن سابقا كلية الملك فهد للبترول والمعادن، حيث عمل في رئاسة قسم علوم الرياضيات في كلية البترول والمعادن من 1974 - 1984 حيث تم ترقيته لدرجة استاذ في عام 1980 ليتم تعيينه استاذا زائرا في جامعة هارفرد بالولايات الأمريكية المتحدة، وأيضا أستاذ زائرا في جامعة الملك سعود بالرياض، ثم عين رئيسا في الاتحاد العربي للرياضيات والفيزياء في الفترة 1979 - 1981وفي الفترة 1986 – 1988 حيث ظلت مسيرة الدفاع حافلة بالعطاء بوصفه أستاذا من خلال المقاعد (العلمية) الأكاديمية ومن خلال ترؤسه لأقسامها، إلى جانب ما أسهم به في مجال (التأليف) في علوم مختلفة جاءت مصنفاتها العلمية والتاريخية في مقدمة اهتماماته في مضمار التأليف، تدون في صفحات المشهد الثقافي السعودي اسم الدفاع واحدا من أبرز الأسماء التي استحقت التكريم والريادة العلمية والعطاء الفكري. كما أسهم الدفاع في العديد من الهيئات العلمية، والمنظمات الدولية في الوطن العربي، حيث كان له إسهاماته المتميزة من خلال عزيمته العلمية، وتميزه العلمي، وحبه في الإسهام والعطاء، فلقد كان أحد البارزين والفاعلين أيضا في عدد من الهيئات منها: عضويته في لجنة موسوعة الحضارة الاسلامية والأكاديمية الملكية بحوث الحضارة الاسلامية بالأردن. والعضوية الفخرية في أكاديمية اللغة العربية بالأردن، وعضوية المجلس العلمي للمؤسسة الإسلامية للعلوم والتكنولوجيا والتنمية (المؤسسة الإسلامية للعلوم)، بمحافظة جدة، وعضوية مجلس مركز الملك فيصل للدراسات الإسلامية والبحوث بالرياض، عضوية المجتمع العلمي العربي، في بغداد؛ حيث يأتي إلى جانب هذه المسيرة الحافلة بالعطاء العلمي والمعرفي محليا وعربيا، تأليف الدفاع (49)كتابا، في التاريخ والرياضيات والعلوم باللغة العربية و(4) مؤلفات باللغة بالإنجليزية، أما المحتفى به في المهرجان الوطني للتراث والثقافة في فقد أسهم في المشهد الثقافي والأدبي والصحفي بدور بارز، فكان لطيلة عقود منخرطا في الصحافة مؤسسا خلال فترة صحافة الأفراد، وكاتبا ومسؤولا في العديد من المناصب الصحفية، في عدة صحف سعودية خلال مرحلة (المؤسسات) الصحفية، إلى جانب عطائه الريادي عبر أحد أهمأرز الأندية الأدبية حضورا وتأثيرا في الساحة المحلية، إلى جانب امتداده العربي، عبر المنبر، وعبر العديد من مسارات النشر التي أسس لها عبدالفتاح أبو مدين خلال ترؤسه لمجلس أعضاء إدارة نادي جدة الأدبي الثقافي، إضافة إلى مسيرة حافلة بالعطاء مع الكلمة من خلال إصداره العديد من المؤلفات في مجال النقد والأدب والكتابة، التي صحبت مسيرة ابي مدين ما جعله حاضرا بأسلوبه الإداري من خلال نادي جدة والصحف التي عمل بها، وعبر مداده فيما كتبه من عشرات المقالات في الصحف السعودية، ومن خلال مؤلفاته المتناغمة في ميادين الأدب السعودي سردا كان ذلك أو شعرا.
وقد نشأ (أبو مدين)، وترعرع في المدينة المنورة، عمل لعقود على الإسهام في المشهد الثقافي والأدبي، إذ شغل منصب رئيس النادي الأدبي الثقافي بجدة 1980-2006 شهد النادي خلالها حراكا ثقافيا وفكريا، كان يعد (النموذج) للأندية الأدبية في قدرته على الانفتاح على التيارات الفكرية والأدبية في المملكة، فقد عمل على تنويع منتجاته وأدواره من إقامة محاضرات وندوات ومؤتمرات، وأعمال مطبوعة ودوريات متخصصة وترجمة، حفلت بالتنوع الثقافي الذي تجاوز المشهد المحلي، إلى المشهد العربي من خلال منصته النادي المنبرية، ومن خلال دوريات النادي في مالي: الشعر، والسرد، فأسهم النادي في إصدار عدد من الدوريات الشهيرة على مستوى العالم العربي، ومنها (جذور) الخاصة بنقد التراث العربي، و(نوافذ) المتخصصة في الترجمة للأعمال الأدبية العالمية، و(علامات) التي تعنى بالنقد الثقافي والأدبي، و(الراوي)، و(عبقر)، إلى جانب إسهام أبو مدين في تأسيس (مجلة الرائد الثقافية)، وتأسيس كيان (ملتقى النص) التابع للنادي الأدبي والثقافي بجدة، وجماعة (حوار)، وقد كان لأبي مدين نشاطه الصحفي في المملكة منذ (صحافة الأفراد)، كما رأس تحرير صحيفة البلاد (صوت الحجاز) لمدة سبع سنوات، ورأس تحرير المحلق الأسبوعي لصحيفة عكاظ، ما جعل من عبدالفتاح أبو مدين أحد الرموز الثقافية والصحفية في المملكة الذي أسهم في حراك الساحة الثقافية من عدة منابر ثقافية.
وقد درس المرحلة الابتدائية في مدرسة العلوم الشرعية بالمدينة المنورة، وتخرَّج بعد عام دراسي وأربعة اشهر واضطر إلى عدم إكمال الدراسة لضيق حال خاله، الذي كان يعوله بعد إحالته على التقاعد، ثم عيّن في قيد الأوراق الصادرة في الجمارك منذ 5/10/1366 في جدة، حيث اقترن اسمه بصحفيين في جدة بجريدة (الأضواء)، وهي أول جريدة تصدر في جدة في العهد السعودي، أصدرها بالاشتراك مع محمد سعيد باعشن في عام 1377هـ و (الرائد) التي كان مؤسسها ومديرها ورئيس تحريرها، أصدرها في عام 1379هـ/1959م وأصدر سلسلة كتاب (الأضواء) وهي سلسلة شهرية؛ عن جريدة الأضواء وقد رأس تحريرها، صدر عنها في عام 1958م ستة كتب خامسها باسم (في النقد الجديد)، كما عمل مدير عام الإدارة في مؤسسة البلاد للطباعة والنشر، ثم اختير عضواً منتدباً لدار البلاد للطباعة والنشر؛ ومن مؤلفاته: أمواج وأثباج، في معترك الحياة، وتلك الأيام، الصخر والأظافر، حمزة شحاته.. ظلمه عصره، هؤلاء عرفت، الحياة بين الكلمات، علامات، الذين ضل سعيهم، من أحاديث الحياة، حكاية الفتى مفتاح، التي دون فيها أبو مدين سيرنه الذاتية.