بالنسبة للعديد من المسافرين تُعتبر الأنشطة الفنية والثقافية جزءًا منتظمًا من تجربة السفر. ويعتبر تعزيز التعبير الثقافي، مثل الموسيقى أو فن الطهو أو الفن البصري أو علم الآثار، وسيلة للدبلوماسية الثقافية. وتُعتبر الأخيرة جسرًا يسهّل الوصول إلى الثقافات المختلفة من خلال الخبرة المباشرة، كما أنها تعتبر أساسًا للحوار الدولي. إن الهدف من الدبلوماسية الثقافية هو استخدام الثقافة والحوار بين الثقافات لبناء علاقات إيجابية وبناءة على المستوى الدولي. والسياحة هي أفضل الأنشطة البشرية التي تتيح فرصة مقابلة مختلف المجتمعات والثقافات.
إن السياحة وسيلة للدبلوماسية الثقافية، والتفاهم، والسلام الدولي. ويجب على المرء النظر في جوهر التجربة السياحية بأنها فرصة الوصول إلى مفاهيم ثقافية مختلفة. على سبيل المثال: سبق أن قامت سلسلة الفنادق الدولية (راديسون) بإحياء معنى «الفن والسياحة»، وذلك من خلال تشجيع النزلاء والأعضاء على التعرف على الجمعيات المحلية والتراثية والثقافية والفنية والمسارح المحلية بهدف إضافة قيمة إلى المنتجات الثقافية في الوجهة السياحية التي يوجد بها الفندق.
من جهة أخرى، يمكن للسائح/ الزائر الاستفادة من محافل التسويق السياحية، وزيارة المعارض الدولية، مثل: سوق السفر والسياحة في كل من لندن ومدريد؛ إذ تجتمع الثقافات التي أنتجتها السياحة بأشكالها كافة الملموسة وغير المادية.
إن فاعلية السياحة كوسيلة للدبلوماسية الثقافية يمكن إيجادها في مشاركة واضحة متعددة المستويات.. على أن تكون متوافقة مع السياسات الوطنية والدولية في هذا المجال. ويمكن تحقيق دبلوماسية ثقافية فاعلة من خلال السياحة بإدراك أن: 1) السلام هو شرط مسبق للسياحة. 2) السياحة التقليدية لا تجلب السلام تلقائيًّا. يجب أن يكون هناك الفهم الدولي المتبادل من خلال السياحة، وعبر مشاركة متعددة المستويات والأطراف من وكلاء السياحة بشكل جيد، تتجاوز السياحة.
إن السياحة هي وسيلة للتفوق في الدبلوماسية الثقافية. ويتمتع القطاع السياحي بثقافة، من بين أهم مواردها الأساسية إمكانية وصول الزوار إلى الثقافات التي تختلف عن تلك الموجودة في منشئهم الأصلي.كما يمكن أن تكون لتجربة الزوار/ السياح مساهمة مستمرة للدبلوماسية الثقافية على المستوى الدولي.
وفي إطار الحوار الدولي حول دور السياحة في بناء السلام ندرك في دبلوماسية السياحة دورها في المساهمة الفاعلة في حوار أرقى بين الثقافات من أجل تحقيق الفهم العالمي المشترك.
ووفقًا لمنظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، فإن «ثروة التقاليد العالمية هي واحدة من الدوافع الرئيسة للسفر؛ إذ يسعى السائحون إلى الانخراط بثقافات جديدة، والتعرف على التنوع العالمي للفنون المسرحية والحِرف اليدوية». وأفضل مثال على ذلك هو ما أوضحته بيانات وزارة التجارة الأمريكية بأن السياح/ الزوار الأجانب الذين يمارسون أنشطة الفنون والثقافة الأمريكية يبقون هناك لفترة أطول، ويزورون الجهات السياحية الأمريكية الأخرى، وبعضها الأكثر تنوعًا. وقد كان للفنون دورٌ كبيرٌ في إعادة إحياء السياحة الأمريكية التي تعد محركًا اقتصاديًّا قويًّا، وتسهم بـ 2.1 تريليون دولار في الإنتاج الاقتصادي سنويًّا، وتوظف واحدًا من كل تسعة أمريكيين. وتعد صناعة السياحة أكبر صادر للخدمات في الولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ حققت فائضًا تجاريًّا قدره 75.7 مليار دولار في عام 2014م. وبالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فإن هذا يحقق فوائد دبلوماسية عامة مع عودة كل زائر/ سائح إلى وطنه من خلال فهم أعمق للبلد وللقيم الأمريكية.
وبالفعل، فقد أثبتت السياحة أنها جسر بين الثقافات، وشكل من أشكال الدبلوماسية العامة. ويمكن الاستشهاد بالخطاب الدبلوماسي للرئيس الأمريكي الراحل/ جون كيندي (1963م) الذي عبَّر فيه عن السياحة كمسار للسلام قائلاً:
«أصبح السفر إحدى القوى العظيمة من أجل السلام والتفاهم في عصرنا. وبينما يتحرك الناس في جميع أنحاء العالم، ويتعلمون معرفة بعضهم بعضًا، وفهم عادات بعضهم بعضًا، وتقدير صفات الأفراد في كل دولة، فإننا نبني مستوى من الفهم الدولي الذي يمكن أن يحسن الجو العام لسلام العالم».
وفي وقت لاحق أخذ هذا الشعور السياسي الطابع الرسمي من قِبل منظمة السياحة العالمية UNWTO من خلال سلسلة من الوثائق والبيانات، بما في ذلك «الإعلان عن السياحة العالمية» (مانيلا، 1980)، و»قانون حقوق السياحة»، و»قانون السياحة» (صوفيا، 1985)، و»المدونة العالمية لأخلاقيات السياحة» (سانتياغو، 1999). والأخيرة أصبحت فيما بعد أول ميثاق دولي للسياحة، وأسهمت كل من المملكة العربية السعودية (ممثلة بالهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني) وجمهورية مصر العربية (ممثلة بوزارة السياحة) في إعداد مشروعه النهائي. إن نتيجة هذه التصريحات هي أنه يمكن للسياحة أن تكون «قوة حيوية للسلام والتفاهم الدولي»، وإحدى قوى التعاون الدولي والصداقة والتفاهم بين الشعوب.
في السنوات التي تلت خطاب الرئيس كيندي حول ارتباط السفر بالسلام العالمي شهدت السياحة العالمية نموًّا مذهلاً. ووفقًا لمنظمة السياحة العالمية UNWTO، سافر أكثر من 800 مليون سائح دولي في عام 2009م، مقابل 694 مليونًا في عام 2000م. ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 1.6 مليار بحلول عام 2020م.
و خلال عهد الرئيس باراك أوباما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية استراتيجية وطنية للسياحة والسفر والترحيب - من خلال هذه الأداة الدبلوماسية - بمائة مليون زائر دولي.
لقد أثبتت التجارب أن هناك دورًا مترتبًا على بعض الدول للتعزيز من أهمية السفر والسياحة من زاوية أكثر استراتيجية، وكأداة مهمة لتعزيز الدبلوماسية.
السؤال هو: ما الذي يستحقه هذا القطاع من اهتمام وتخطيط؟ وكيف يمكن للدول الاستفادة من السفر والسياحة بشكل استراتيجي؟
** **
بسمة بنت عبدالعزيز الميمان - متخصصة في العلاقات والمنظمات الدولية - مجال السياحة والتراث