بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية كتبت كلمة هي غيض من فيض عشقي لها، أبدؤها بمقطوعة شعرية أهديها لغتي الغالية الجميلة الراقية، ولمن يشاركني حبها، فأقول:
تاجُ التميزِ والفصاحةِ والبيان
لا، لا يليقُ بغيرها ذات الحسان
قد قال حافظُ إنها لغةُ الجمال
وبأنها بحـرٌ مليء بالجُمان
وأنا أضيفُ بأنها كلُّ الكلام
وبأنها لغةُ الرسالةِ والجِنان
استوعبت بثرائها كل المقـال
ولها ـ وليس لغيرهاـ كسبُ الرهان
الوحيُ جاء بحرفِـها هديًا وآي
واختصَّ خيرَ الخلقِ في كلِّ الزمان
يتلوه من عربٍ ومن عجم ٍسواء
يجري ـ كما الماءِ الزلالِ ـ على اللسان
لغتـنا العربيةُ حجمُها بحجمِ الأرض، وارتفاعُ قدرِها بارتفاعِ السماء، عطاؤها على القرون نهرٌ لا يجفُ ولا ينضب.
ألفاظها كنجوم في سماء الليل ساطعة، وكاللؤلؤ المكنون في الأصداف لامعة.
ميزها الرحمن أن جعلها لغة التنزيل، وقد جاء ذكر ذلك في أحد عشر موضعاً من القرآن الكريم، وبذلك كتب الله لها البقاءَ والخلود، وأن تجري على لسان كل مسلم عربي وغير عربي، فضلاً عمن هم غير ذلك من الراغبين في اكتسابها كالمستشرقين على سبيل المثال.
ووالله إني لاستعذِبُ سماعها عربيةً فصيحةً من أفواهٍ غيرِ عربية، أتقنتها على أصولِها، وتكاد ملامحُهم تنطق فخرًا أن جرت العربيةُ على ألسنتهم.
لغةٌ حملت الوحي وبلَّغَـته، وحملت فكرَ الأمةِ وأوصلته، ونقلت فكر الإنسانية وعلومها واستوعبته، فهي تستحق منا أن نحتفيَ بها ونُـنْزِلَـها قدرَها، وتستحقُ منا أن نعتنيَ بها، وأن ننبه الشبابَ خاصة والناشئةَ إلى عِـظمِ مكانتِها، وإلى ضرورة التفاتهم لها وعنايتهم بها، خاصة مع ما يصرفهم في هذا الزمان من اهتمامات، ويشدهم يمنةَ ويسرة من إغراءات ومن بينها إغراء التحدث بلغة أجنبية.
لست ضد تعلم لغات الأقوام الأخرى، لكنني ضد الخلط العقيم الآثم الذي يشوه اللغتين على حد سواء.
كما يلزمنا أن نبينَ لهم إيجابيات الاهتمام وسلبيات الإهمال، وأن نعزف على وترٍ يستهويهم ـ إناثا وذكوراًـ وهو حب الاستقلال والتميز.
ولنطلعهم على أقوال كثيرة عن فضل اللغة العربية ومكانتها صدرت عن عربٍ وعن عجم، ففي مثلها حافزٌ لهم ودافع، وهي إلى إقناعهم خير مساعد.
لقد قال فيها الكثيرون، وأشادوا بتميزها، وأكدوا عظم مكانتها، كقول شيخِ الإسلام ابن تيمية: «اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغاتُ من أعظمِ شعائر الأممِ التي بها يتميزون». وفي كلامه إشارة للهوية اللغوية التي لا تنفصلُ عن هويتنا الدينية.
وقال ابن خلدون رحمه الله: «إن قوة اللُغة في أمّةٍ ما تعني استمرارية هذه الأمة بأخذ دورها بين بقيّة الأمم، لأن غلبة اللُغة بغلبة أهلها، ومنزلتها بين اللغات صورة لمنزلة دولتها بين الأمم».
وقال الأديب مصطفى صادق الرافعي: «ما ذلتْ لغةُ شعبٍ إلا ذلّ، وما انحطّت إلا كان أمرُها في ذهابٍ وإدبار..». وقال حافظ إبراهيم «وكم عز أقوامٌ بعزِّ لُغاتِ».
وقال المستشرق بروكلمان: «بلغت العربية بفضل القرآنِ من الاتساع مدى لا تكاد تعرفه أي لغة أخرى من لغات الدنيا».
وقال مستشرق آخر: «بكل كمالها [يعني العربية] ومرونتها وثروتها التي لا تنتهي، لقد كانت هذه اللغة منذ بدايتها على درجة من الكمال».
الأقوال كثيرة جداً، لكني سأكتفي بذلك لأختم فأقول: نحن وأخصُّ محبي اللغة والمهتمين بها نعيش بنبض اللغة في عروقنا، ولنا في كل يومٍ احتفاءٌ بها ـ وأنا على ثقةٍ من ذلك ـ لكنَّ يوماً مثل هذا اليوم اعتُمدَ عالمياً لها من الجميلِ الوقوفُ عنده وتفعيلُه بكل ما هو مقدور ومتاح.
فلننورْ الأجيالَ، ولنعرِّفْ الشعوبَ بلغةِ الحيوية والجمال والثراء.
** **
الجوهرة بنت عبدالعزيز المعيوف - محاضرة بقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الملك سعود
@jmayouf