بالرغم من تقديم أكثر من 20 مليون شهيد في الحرب العالمية الثانية من طرف الاتحاد السوفيتي السابق، الذي كان الهدف الرئيس للفاشية في تلك الحرب، إلا أن ستالين وبطريقة (المجاملة) نسب الانتصار للحلفاء.
هؤلاء (الحلفاء) لم يكونوا كذلك من بداية الحرب، ولم يعلنوا منذ البداية أيضاً أن الهدف هو إسقاط الاتحاد السوفيتي والثورة كلها في أوروبا، والدليل هو -ما أشار له تشرشل في مقولته الشهيرة لرئيس أركانه عندما جاء ليبشره بمحاولة اغتيال هتلر؛ التي (للأسف) لم تنجح؛ حيث قال تشرشل: لا تقل (للأسف) محاولة اغتيال هتلر لم تنجح! بل قل «للأسف» أن الاتحاد السوفيتي قد انتصر على هتلر في ستالينغراد!
«الثعبان» الذي ربته العقلية المافيوية الرأسمالية لقتل الثورة في أوروبا والعالم، تملَّكَه الغرور بعد اجتياحه أكثر من نصف أوروبا، وقرر ابتلاع العالم بأسره، مما اضطر «صاحب الثعبان» للتحالف مع (الشيطان ستالين) للخروج من فم ذلك الثعبان. ولكن بعد انتهاء الحرب، استطاعت تلك العقلية إسقاط الاتحاد السوفيتي بأسطورة (الخطر الشيوعي والخطر على الدين والعرض والخصوصية ...إلخ)، في نفس الوقت الذي أشاعت فيه أن شعارها هو «التعايش السلمي». أما بعد السقوط أشاعت أن النظام الرأسمالي هو نهاية التاريخ، ولا صراع بعد الآن بين قلة يستحوذون على الثروة، ومئات الملايين من البشر الرازحين تحت خط الفقر، والصراع ليس بين ظالم ومظلوم، بل هو صراع الحضارات!
من الأساطير ما هو مبني على حقائق، فالرأسمالية تدرك أن العولمة «ضرورة تاريخية» بعد أن أصبح العالم قرية واحدة، وأنه لا يمكن لأي دولة أن تعيش بعزلة عن الدول الأخرى، فأشاعت أسطورتها (العولمية الجديدة) للسيطرة على الوعي وتبرير الاستعمار الاقتصادي والسياسي والعسكري والفكري للشعوب الأخرى.
لقد روجت الرأسمالية أن العولمة ليست ضرورة تاريخية، فهي رغبة من أسياد العالم «الشركات متعدية الجنسية» لتثبيت هيمنتها على هذا العالم، وإذا فكر أي شعب بالتخلص من هذه الهيمنة بالاحتجاجات والإضرابات، فستغلق الشركة خط إنتاجها في ذلك البلد، وتتركه يموت من الجوع! ... وبهذا التشويه لمفهوم العولمة يثبِّت الرأسمال في الوعي البشري، أن لا سبيل للعيش سوى الاستسلام لإرادة «الأسياد الجدد» والقبول بشروطهم. لذلك أصبحت كلمة (عولمة) في الوعي البشري تعني الاستعباد والذل.
جرى سجال جميل بالأمس بين ثلة من المثقفين من مختلف المشارب في هذا الوطن كنت بينهم... وقد تداولنا الآراء حول «عولمتان»؛ واحدة «أسطورية» تروجها الولايات المتحدة على مبدأ «تشويه الوعي وعولمة الأسطورة»، وأخرى واقعية تقودها الصين وروسيا تعتمد أولاً- ضرورة العولمة على أساس مصلحة جميع الشعوب. ثانياً- هي تنمو وتتوسع بدون حروب وصدامات عنيفة، وهي مغرية لجميع شعوب العالم -بما في ذلك أعضاء حلف الأطلسي- كما هو الحال بالنسبة لتركيا وبعض دول الاتحاد الأوروبي. ثالثاً- أصبحت هذه العولمة ملاذاً للدول النامية للخلاص من الهيمنة الاستعمارية.
** **
- د. عادل العلي