سهام القحطاني
تعتبر جماعة الإخوان من أكثر الحركات الدينية والسياسية جدلاً في التاريخ الإسلامي والعربي منذ أن تأسست على يدّ حسن البنّا؛ لتعقيدات منهجها، وتلوّن وجوهها وأصواتها، وغموض مساراتها، وقدرتها على جذب التأثير الشعبي، والأهم امتلاكها ماكينة إعلامية وفكرية، تستطيع أن تتسلل من خلالها كالأفعى إلى كل مكان، مثلما تسللت إلى قطر، وجلبت لها العار والدمار والإرهاب.
وفي هذا الموضوع سوف أتطرق إلى رأيين مختلفين في الإخوان، رأي لخالد المالك في كتابه «لا يا سمو الأمير»، ورأي جمال خاشقجي - رحمه الله - في كتابه «زمن الإخوان».
والرأيان نجد فيهما اختلافًا؛ فبينما رأى خاشقجي أن الربيع العربي «خلق جيلاً جديدًا من الإخوان»، غيّر منهجهم الكلاسيكي القائم على أسلمة الدولة وإحياء الخلافة، يرى المالك أن الإخوان لا تتغير عقيدتهم الفكرية والإجرائية أبدًا، تلك العقيدة التي تأسست على المنهج التآمري الإرهابي والعدائي، الذي يجلب لكل دولة يذهبون إليها التطرف والإرهاب والدمار.
في كتابه «زمن الإخوان» يقسم الخاشقجي الإخوان ما قبل الربيع العربي وما بعد الربيع العربي.
فربيع العرب -كما يقول - أفرز طبقة مختلفة من الإخوان المسلمين، أسماهم «الإخوان المسلمين الجدد في زمن الربيع العربي».
وهو يقيم مقارنة بين الإخوان ما قبل الربيع العربي وما بعده؛ فالإخوان الجدد ما بعد الربيع العربي تميزوا بصفات مختلفة عن الجيل القديم من الإخوان، أبرزها الديمقراطية والاعتدال والعدالة والحرية والمساواة.
وهو ما يعني تغيرًا جذريًّا في منهج الإخوان القديم، المنهج الذي هيمنت عليه فكرة «الخلافة»، واختزال الإصلاح في تأسيس دولة إسلامية كما نادى إليها الإخوان في مصر وسويا من خلال «الثورة الإسلامية» زمن الرئيس حافظ الأسد.
ويلخص الخاشقجي تاريخ الإخوان ما قبل الربيع العربي الذي غلبت عليه نزعة الإسلام السياسي الصرف بقوله:
«كان مشروع الدولة الإسلامية هو المحرك للإسلام السياسي فقهًا وسياسة وعملاً سريًّا، بل كان إحدى أهم وسائل التجنيد وتبرير وجود الحركة» -181-.
وهو ما أدى إلى تأسيس أيديولوجية اصطفائية لتسهيل إنشاء الجماعة وتأسيس منظومة انتمائية.
وهذا المسار (تأسيس أيديولوجية اصطفائية) اعتبره المؤسسون الأوائل لجماعة الإخوان كما يقول خاشقجي «قاعدة شرعية لا يتم الواجب إلا به» -181-.
وقد تمت صناعة تلك الأيديولوجية الشعبية عن طريق -كما يقول- «ضخ قدر كبير من الكتب والأبحاث التي توصل لفكرة الدولة الإسلامية، بل صاغت مسودات لدساتير إسلامية، بموازاتها شجعت إصدار أناشيد وأشرطة كاسيت شكلت ثقافة شعبية.. جعلت من الدولة الإسلامية الحل السريع للخلاص من الفقر والهزيمة والظلم» -181-.
لكن ما حدث على أرض الواقع مختلف عما روّجته الماكينة الإعلامية للإخوان، عندما اصطدمت أفكار العقيدة الإخوانية بذلك الواقع معلنة فشل جغرافيتها الفكرية ومشروعها الإصلاحي وعجزها عن التمكين والتطبيق السياسيين اللذين أرهص لهما المؤسسون الأوائل لحركة الإخوان. هذا الفشل يسوغ له خاشقجي بأسباب عدة، منها: *الاستراتيجية السرية التي انتهجها المؤسسون الأوائل، التي سكّنت الحركة تحت الأرض مما خلق فاصلاً حضاريًّا بين ما هو تحت الأرض وما هو فوق الأرض.
*الاعتقالات والمطارات والتهجير التي تعرض لها أرباب الحركة من حكام الدول العربية.
*انقسام الإخوان على أنفسهم ما بين السلفيين والجهاديين.
وهي مسوغات كانت حصيلتها - كما يقول خاشقجي - تعطيل «الحركة فكريا»-182-، وتعطيل «مشروع تطوير الدولة الحديثة»-182-، والدخول في «صراع نفوذ»-182- بين السلفيين والجهاديين.
وصراعهم مع السلفيين كان -كما يقول - «بعضه سافر كالصراع على المساجد والجمعيات الخيرية، وبعضه علمي أو شرعي باتهامهم بالانحراف عن الجادة والابتداع»-182-.
أما صراعهم مع الجهاديين فتمركز في اعتبار - كما يقول - «مشروع الإخوان القائم على التدرج والتربية مشروعًا فاشلاً»-182-.
فكانت رؤية الجهاديين من خلال أيمن الظواهري تعتمد على أسلمة الدول العربية، واستخدام القوة لفرض تلك الأسلمة. هذه الرؤية التي تبلورت فيما بعد من خلال «القاعدة».
وقد عرض الظواهري هذه الرؤية في كتابه «60 عاماً من الحصاد المر»، يحاول أن يفكك به فكرة الإخوان، ويقيم مكانها مشروعه القائم على التغيير بالقوة -183-.
لكن في حقيقة الأمر إن عدم اكتمال مشروع الإخوان المسلمين يعود إلى طبيعتهم التي تأسست على الخداع والمكر والاصطياد في المياه العكرة، وعض يد كل من يساعدهم. وهذه الطبيعة يتحدث عنها خالد المالك في كتابه «لا يا سمو الأمير». فالإخوان «منظمة إرهابية مسيسة، وتاريخها في الممارسة السياسية دموي بامتياز، في مصر وأينما حل بها المقام، ما لا يمكن إنكاره أو التبرير له، أو محاولة إيجاد مخارج لا يتفق مع سياق الحقائق.. هذه الجماعة الإرهابية هي قنبلة موقوتة..كانت كذلك في مصر والمملكة وغيرهما»-66-.
الإخوان ما هم سوى كيانات وتنظيمات إرهابية «ينشرون الفكر النتن، ويتبنون العمليات الإرهابية، ويسوقون التطرف، ويأخذون بمبدأ التحريض للوصول إلى إنجاح مخططاتهم»-421-.
ولعل من عاش التجربة مع الإخوان غالباً يكون هو الأقدر على كشف طبيعتهم. وهذا ما يقدمه المالك في كتابه، وهي تجربة السعودية مع الإخوان «كانت المملكة ضحية هؤلاء الأشرار، فقد استضافت المملكة خلال العقود الماضية عناصر من الإخوان المسلمين، وأنقذت رقابهم من موت محقق لو واصلوا البقاء في بلدانهم في مصر وسوريا وغيرهما.. لكنهم عضُّوا اليد التي أطعمتهم، ونكثوا الوعد الذي التزموا به وعاهدونا عليه، وتآمروا علينا ولم يلقوا بالاً أو اهتماماً أو تقديراً للضيافة أو المعاملة الحسنة»-41-.
لتتكشف الأمور عن تلك الطبيعة التي ولدت في السر، وترعرعت تحت الأرض لتضر بكل من فتح لها قلبه ومجتمعه، فبعد عهود تبين للمملكة أن «الإخوان منظمة إرهابية، وتنظيم سياسي يشكل خطورة على أمن المملكة واستقرارها، وأن قادة هذا التنظيم السياسي يسعون للاستيلاء على أنظمة الدول الإسلامية بقوة السلاح»-42-.
إن طبيعة نشأة حركة الإخوان التي ولدت في الظلام، وتمحورت على أفكارها في كيبوتسات، هي التي صاغت سيكولوجية الشخصية الإخوانية التي تتصف بالتطرف والعدائية وكره الآخر ومحاربته؛ لأنه يؤمن بما آمن به إبليس قبله «أنا خير منه».