نادية السالمي
ماذا بعد هذا السؤال الأزلي الأبدي الذي لا يفتر عنه لسان كل شغوف بالمستقبل، الحريص على سبر أغوار الخطوة القادمة، لكن هذا السبر يحتاج إلى عقل جديد لينهض بفكر جديد في الجيل الناشئِ.
بادئ ذي بدء:
قيل في تبني الطموح: «ما لا يدرك كله، لا يترك جله» وهذه القاعدة مهمة ليست فقط في تعليم منظومة أخلاقية تبدأ بالصبر، وتنتهي بالرضا بالواقع، بل تتعدى هذا للمحاولة لرفع المستوى التحصيلي الفكري والثقافي كلما سنحت الفرصة. قرار معالي الوزير الدكتور أحمد العيسى بإدخال الفلسفة على مناهجنا قرار تأخر لعقود طويلة جافة، والحاجة للفلسفة والقانون مهمة في تحفيز العقل، وتمكينه من القدرة على التمحيص والبحث العلمي، وكشف الخرافات التي تعيق العقل الذي يستسلم لها.
لهذا وجب أن نهتم بها، وندرك ما فاتنا ونطوي صفحة الماضي وأرجو أن لا نشغل الطالب ولا المعلم بالركض وراء السؤال من مبتكر مصطلح الفلسفة «فيثاغورس» أو «سقراط» ولنبحث عن الحكمة ونعمل عليها، لنبحث عن الأهم، كما أن عرضنا لتاريخنا غير المشرف مع الفلسفة لن ينفعنا، إلا في ادّعاء تبرئة الذات من المساهمة في إهمال الفلسفة أو قتلها، علينا أن نتجاوز هذه الخطوة ونسأل ماذا بعد؟ وما الذي يتوجّب فعله حتى نتجنّب أخطاء قديمة، ذات إخفاقات متجذِّرة فلا نكررها بأشكال جديدة، فكل ما أخشاه أن تتعاون الآراء الفقهية القديمة - عن الفلسفة- بشكل لا إرادي مع أعداء الفكر الحر - وهم من مذاهب دينية وفكرية مختلفة- لتقتل الفكر النقدي، وتجرّم السؤال، وتحث على عقاب البحث والاستقصاء فتختنق الفلسفة ولا يبقى منها إلا منهج نظري لا يحث العقل على التفكير فيه بشكل عملي، بل هو عرضة لملل المعلم وسخرية الطالب. لهذا علينا أن نضع أعيننا على المستقبل، ونسأل أنفسنا ما الدور الذي نريده لأبنائنا حين نعلّمهم الفلسفة؟!
قيود عقلية
رؤية 2030 التي تضمنت تغيّرات جذرية في الثقافة والاقتصاد في المجتمع السعودي يجب أن تصل إلى الفكر، ويلمس أثرها العقل الناقد والتفكير الحر، فكما فتحنا أبواب التعليم للفلسفة والقانون علينا أن ننفتح بشكل أكبر على الآخر «الإنسان» فينا أو في سوانا، عندها يكون الإدراك فرض عين على كل مواطن يريد رفعة بلاده في شتى المجالات. عندها يتطور المجتمع بخط متواز مع التعليم ويخلع العقل قيدًا عرقله، وزاد من أزمته، كل هذه الأنشطة يجب أن تجعل الإنسان أولًا، فمن غير المعقول أن نسعى إلى تطوير قدرات الطالب الذهنية ومهاراته الفكرية ثم نأمره بالتوقف عن السؤال وممارسة التفكير، والبحث عن الحقيقة وطريقة تطبيق أفضل للقانون الذي هو فوق الجميع. التفكير الناقد يحتاج من صاحبه الذكاء والتفرّغ والصبر والجرأة، كما يحتاج من الآخر بسط المزيد من الحرية، وضخ الكثير من مفاهيم الحقوق في المؤسسات والعقل الجمعي وهذا دور الدولة فلا يكفي أن تُدخل كتب الفلسفة والقانون للمدارس وتهيءُ لهم مدرسين أكفاء.
خارج الإطار
الحاجة إلى القانون والفلسفة ليست ترفًا، بل هي من ضروريات بناء المجتمع المدني المؤمن بما لديه من واجبات، العارف بكامل حقوقه، وكل هذا يصب في بناء الدولة المدنية الحديثة التي ترسّخ مبدأ المواطنة وتقوم على قبول الآخر وحق المساواة، وحرية التعبير، وكما يقول محمد الجابري «دون عقل جديد لا يمكن أن يقوم اجتهاد جديد».