سبق أن نشر مقال في جريدة الجزيرة العدد 14857 بتاريخ الأحد 23 رجب 1434هـ لي بشأن تحديد موقع السحيمية ومن أغراض نشري مثل هذه المقالات الحصول على (تغذية راجعة) feedback وهذه مراجعة لهذا المقال بوجهة نظر جديدة تتمثل في اختيار حريملاء على أنها السحيمية وليست غيانة، وهما قريبتان من بعضهما جداً كما أن حريملاء وجد في كتب البلدان ماء باسم حريملاء مما يثير الالتباس ومن المعلوم لدى الجميع كثرة المواضع قديماً وحديثاً بهذا الاسم لارتباطه بشجر الحرمل المنتشر هنا وهناك.
السحيمية
تنسب السحيمية أو بئر بني سحيم أو سحيمة إلى بني سحيم ابن الدول ابن حنيفة، وقد اختلف في تحديد موقعها وبين يدي الموضوع نورد بعض النقول عنها وقبل ذلك نورد تسميات هذا الموضع لدى علماء البلدان، فقد سماها الهمداني في صفة جزيرة العرب (بئر بني سحيم) وسماها ياقوت في معجمه ووكيع في (كتاب الطريق) بالسحيمية، ولعلهم تابعوا في ذلك السكوني، أما الحازمي ونصر الاسكندري فقد انقص حرفاً من الاسم في الاماكن فسماها سحيمة، هذا إن لم يكن هذا النقص تصحيفاً من النساخ.
والآن لنعد أدراجنا إلى إيراد ما ذكره علماء البلدان عن بئر بني سحيم أو السحيمية أو سحيمة، قال ياقوت الحموي في معجمه (3 /169) (السحيمية بلفظ النسبة إلى سحيم تصغير اسحم تصغير الترخيم وهو الأسود في طريق اليمامة من النباج ثم القرية قرية بني سدوس، وقال نصر في كتاب الأمكنة والجبال والآثار: (هي من نواحي اليمامة) وقال الهمداني في صفة جزيرة العرب: (ويحبس عليك العرض فترد القرية من وراء الأبكين وهما قرنان جبيلان - قرية بني سدوس ابن ذهل ابن ثعلبة وهي قرية جيدة وفيها قصر سليمان بن داود عليه السلام مبني بصخر منحوت عجيب غريب وبقيت القصبة، ثم تطلع منه إلى نقيل قران وريمان مكان وأودية ووتر لبني غبر وهي نخيل وحصون عادية وغير عادية ثم تطلع نقيل من النقل فتهبط على بئر بني سحيم فيها النخيل والحصون وأسفلها مدافع في قابل العرمة).
ويعد هذا النص من أوضح النصوص التي يستهدى بها إلى موضع قرية بئر بني سحيم أو السحيمية أو سحيمة حيث بدأ بالأبكين وما زالا يعرفان بهذا الاسم حتى الآن إلى الجنوب غير بعيد من القرية (سدوس) ثم يمر على سدوس ويتجاوزها متجهاً إلى سحيميتنا مروراً بنقيل ريمان وقران ولعل نقيل قران وريمان نقيل مشترك يقع في الوسط بينهما أو لعلهما نقيلان يقعان بعد قرية سدوس للمتجه شمالاً.
ولا يعني هذا -خلافاً لبعضهم - أنه يهبط إلى قران (القرينة حالياً) إنما هو يمر بنقيل منسوب إليها ولعله مشرف عليها وعلى واديها قران (أبو قتادة حالياً) وممتد شرقاً وشمالاً واكتسب اسمه من ذلك. ولم يتسن لي معرفة اسم هذا النقيل حالياً. ثم يتجه بعد ذلك إلى سحيميتنا ولكنه هنا يهبط عليها هبوطاً وهذا يؤيد اختيارنا الذي سنورده لاحقاً كما في النص (فتهبط على بئر بني سحيم فهيا النخيل والحصون وأسفلها مدافع في قابل العرمة..) وفعلاً فبلدتنا حريملاء يدفع واديها حتى يقف أسفل العرمة في مفيض الخفس، قال الشيخ عبدالله بن محمد بن خميس - رحمه الله في كتاب معجم اليمامة - ج 2 / صفحة 269: في نطاق كلامه عن وادي قران الذي هو وادي أبو قتادة الذي يشق حريملاء (ومن ثم يعود مشرقاً ليدفع في روضة الخفس الجنوبية..) وروضة الخفس تقع أسفل من العرمة إذن فهي ينطبق عليها الكلام السابق في وصف المدافع التي في قابل العرمة.
ومن دلائل ذلك التقديم والتأخير لدى السكوني كما مر آنفاً.
المتأخرون والحسينية:
اختار الاستاذ عبدالله بن محمد الشايع رحمه الله كما في بحوث ندوة (أسماء الأماكن الجغرافية في المملكة العربية السعودية) التي نشرتها دارة الملك عبد العزيز عام 1428هـ صفحة 162 إلى 192 أن البويردة هي السحيمية والبويردة لا تقع في نطاق وصف كل من الهمداني في صفة جزيرة العرب ولا وكيع في كتاب الطريق على التحفظ الذي اشرنا إليه فيما يخص تأخيره لعلهم الذي ليس له مبرر إلا لعله السهو وقد فهم الاستاذ عبدالله من إشارة الهمداني إلى نفيل قران المرور على قران والنزول إليها مع أن الهمداني لم يشر إلى ذلك ولم يشر كذلك إليه وكيع في تحديده للطرق والمنابر التي يمر عليها المتجه من اليمامة إلى مكة فهو ـ أي وكيع ـ فعلاً يحدد مسار الطريق وليس المنابر كما أشار إلى ذلك الاستاذ عبدالله الشايع رحمه الله وإنما وقع السهو في تأخيره ملهم وحقها التقديم ويوجد في مركز بلدة حريملاء مكان ومزرعة تسميان السحيمي، مما يؤيد بقوة اختيارنا المشار إليه آنفاً هذا والله أعلم.
** **
- عبدالله بن عبد الرحمن الضراب