اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
بما أن العجلة تترتب عليها الندامة والحسرة في حين أن التواني يؤدي إلى المذلة والهوان فإن الوسط المطلوب بين هذين الطرفين الذميمين هو الأناة التي تعني التثبت والتروي، كما أن الاتصاف بها عند توقع المكاره يدخل في مفهوم الصبر، والأناة والتثبت من الأمور المؤيدة للعقل والدالة عليه، إِذ إن المتأني الذي يحسن التثبت يظهر عليه الحلم، ويكون في حالة نفسية ومعنوية تنأى به عن الحمق والخفة والطيش.
والإِنسان إذا ما ألمَّ به شدة من الشدائد فلا مندوحة أمامه من مواجهتها والتعامل معها بما يضمن تحييد آثارها السلبية والتغلب عليها، لأن التساهل والتراخي عند التعامل مع المكاره ومعالجة الشدائد يزيد من مضاعفاتها وتعقيداتها بشكل يجعلها أبعد عن الحل، كما أن الاستعجال والتصرف غير المحسوب يترتب عليهما نتائج عكسية، تقود إلى التهور والطيش والعنف، والمتأني عند ما يجيد التثبت وازناً الأمور بالميزان الصحيح فإنه يسلك مسلكاً وسطاً بين العجلة والتواني، فلا يستعجل الفرص قبل أوانها، ولا يتركها تفوت عندما تسنح، شأنه في ذلك شأن الذي يقطف الثمرة، فلا يقطفها قبل أن تنضج، ولا يتركها تفسد بعد نضجها، وقد قال ابن القيم: إذا انحرفت عن خُلق الأناة والرفق، انحرفت إما إلى عجلة وطيش وعنف، وإما إلى تفريط وإضاعة والرفق والأناة بينهما.
وتتفاوت الشدائد والمكاره من حيث طبيعة كل منها والحيثيات التي تُميِّز بعضها عن بعض، كما تتفاوت بتفاوت أطرافها وأسبابها ومعطياتها الحاصلة، وكذلك نتائجها وتداعياتها المحتملة، وتنقسم إلى ضربين: أحدهما فيه حيلة والاضطراب دواؤه، والآخر لا حيلة فيه والاصطبار شفاؤه، وقد قال علي بن أبي طالب: إن للمكاره نهايات لا بد لمَنْ تعرض لها أن ينتهي إليها، فينبغي للعاقل إذا أصابه مكروه أن يتعامل معه بصبر وأناة حتى تنتهي مدته، لأن دفعه قبل انقضاء مدته يزيد في مكروهه.
وكما تهدف الأناة إلى الوسطية والاعتدال بعيداً عن التعجل وآفاته والتهاون وإخفاقاته مع التحسب لما يجب التحسب له من عواقب الأمور وتداعيات الشرور، فإن التثبت يهدف إلى تبيِّن الأمر والوقوف على حقيقته وكذلك محاربة الشائعات والتأكد من صحة الأقوال والأفعال، بوصف التثبت من هذه الأمور يعد مطلباً شرعياً ومنهجاً دينياً.
ومَنْ ينظر من خلال زاوية الأناة والتثبت إلى الحملة الظالمة التي تتعرض لها المملكة منذ مدة، والأطراف التي تقف خلفها يتضح له بجلاء أن هذه الأطراف تجنَّت على هذا النهج الإسلامي الأصيل ونسفته من أساسه وجعلته في مهب الريح، حيث لم تترك للأناة موضعاً، ولا للتثبت موقعاً عندما وجهت اتهامها وأصدرت أحكامها في اليوم الأول من أيام القضية، مستخدمة وسائل إعلامها الظالمة ودعاياتها الآثمة لنشر الشائعات والأكاذيب المختلقة وإصدار التسريبات والدعايات الملفقة، بهدف الإساءة إلى المملكة عبر الترويج للباطل وقلب الحقائق وتزوير الوثائق.
ونظراً لأن جريمة الصحفي السعودي ذات خصوصية فردية وطبيعة جنائية مهما كانت ملابساتها ومكان وقوعها وهيئتها الفاضحة، الأمر الذي يجعل المطالبة بالكشف عن مرتكبيها ومعاقبتهم مطالبة مشروعة، إلا أن السخرية السياسية والدعاية الإعلامية والبرقماتية لم يكن معها مكانٌ للأناة والتثبت مما دفع بالقائمين على الحملة المعادية للمملكة إلى الخروج بالقضية من السياق الفردي والجنائي إلى التسيس والدعوة إلى التدويل، مطالبين بتعميم الجناية على الدولة والوطن عن طريق اتهام الرموز والتجاوز على سيادة الدولة بشكل تحوَّل معه الحق المزعوم إلى باطل، حيث إن المُطالب بهذا الحق، يريد اتخاذه سلماً يصعد عليه للوصول إلى الباطل الذي أراده، وهو أمر غير مقبول ولا سبيل إلى تحقيقه، مهما راهن أولئك على المغالطات والمبالغات وتعالت أصواتهم بالضجيج والصراخ.
وبالنسبة للمملكة فقد وجدت نفسها بين الجناية والتجني، فجناية عدد من أفرادها عليها من جهة، وتجني الأعداء بالافتراء والكذب والتدليس عليها من جهة ثانية، علاوة على فظاعة الجريمة ومكان حدوثها من جهة ثالثة، والحملة الإعلامية الجائرة الظالمة المترتبة عليها من جهة رابعة، كل هذه الحيثيات ألقت بظلالها على موقف المملكة الرشيد، الأمر الذي جعل أناتها تتحول إلى تأخير وتقصير عن جهل عند البعض، وتثبَتها ينظر إليه أصحاب النفوس المريضة والممارسات البغيضة بأنه تستر، دون أن يدرك هؤلاء أن إفادات الجناة قد تكون متناقضة في أول الأمر، والتسرع بنشرها يتنافى مع التثبت، كما أن الأخذ بالكلام المنقول والإفادات يتطلب ذلك التحري والتروي من أجل إثباته، إِذ إن الذي يطلب أمراً بلا حجة مثل الذي يصعد إلى السطح بلا سلم، وقد قيل: الجاهل يؤكد والعالم يشك والعاقل يتروى.
والقضية تشكل عملة ذات وجهين أحد وجهيها يقبل التجاهل، والوجه الآخر يتطلب التعامل مع الموقف بحصافة وكياسة، فالدفاع عن النفس، ومواجهة الباطل بالحق، ومقارعة الحجة بالحجة، تحتاج إلى الكلمة الهادفة والمؤثرة، وتصديقاً لما سبق، فإن إنصاف الحلول أحياناً تكون كارثة، وأحياناً تكون ذكاءً وموقفاً معقولاً.