م. خالد إبراهيم الحجي
إن العلاقات السعودية الأمريكية من أقدم العلاقات الدولية في العصر الحديث، وما زالت مستمرة وقوية منذ أن بدأت عام 1945م حتى الآن، وهذا الصمود يعكس عمق التفاهم الدبلوماسي والسياسي وقوة التعاون الإستراتيجي وحماية المصالح المشتركة بين الدولتين. والحقيقة أن كلاً من الدولتين تحتاج للأخرى في المجالات التالية:
(1): تعاونهما في مجالات الاستخبارات لمكافحة الإرهاب، وحماية مضيق هرمز من التهديدات الإيرانية الذي يمر من خلاله (35) في المئة من احتياجات العالم من النفط، ويمثِّل الأمن الإقليمي في منطقة الخليج وإقليم الشرق الأوسط؛ فالسعودية تحتاج لحماية النفط وتسويقه إلى دول العالم الغربي، وأمريكا تحتاج إلى سلامة النفط وضمان وصوله إلى العالم الغربي دون تأخير.
(2): حرص كل من السعودية وأمريكا على المحافظة على التوازن بين العرض والطلب العالمي على النفط واستقرار أسعاره بمعدلات مناسبة؛ فالسعودية تبحث عن السعر المناسب بالاتفاق مع الدول الأعضاء في منظمة الأوبك؛ لأنه يمثِّل الدخل الرئيسي الوطني لهم، وأمريكا يهمها الحصول على النفط بأسعار مناسبة لإنتاج الطاقة بتكاليف اقتصادية.
(3): السعودية تحتاج إلى أمريكا في المجال الأمني العسكري والأسلحة الحديثة المتطورة لتقوية دفاعاتها العسكرية وقوة تسليحها في الشرق الأوسط، وأمريكا تحتاج إلى السعودية في زيادة إنتاج مصانع الأسلحة والعائد المادي من بيع الأسلحة للسعودية. وهذا ما أكده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بصراحة في عدة مؤتمرات صحفية عن حاجة الولايات المتحدة الأمريكية إلى المحافظة على صفقات الأسلحة الحالية والمستقبلية مع المملكة العربية السعودية التي وصلت إلى أكثر من (400) مليار دولار على مدى العشر السنوات القادمة، وما ستوفره من عشرات الآلاف من الوظائف للأمريكيين. وتخوّفه الصريح الذي أعلنه أن التفريط بها سيجعل السعودية تلتفت إلى الصين وروسيا لشراء الأسلحة منهما، الذي أظهر حرص أمريكا في الحفاظ على استمرار التعاون وتبادل المصالح المشتركة بين الدولتين.
(4): تحتاج السعودية إلى وقوف أمريكا بجانبها في الدعم السياسي والعسكري في حرب اليمن لإعادة الشرعية الذي ظهر في مشاركة أمريكا مع التحالف الدولي بقيادة السعودية بطائراتها العملاقة في العمليات الدقيقة لإعادة شحن المقاتلات السعودية بالوقود وهي طائرة في الجو خلال طلعاتها الحربية على اليمن.
وقد تعرَّضت العلاقات السعودية الأمريكية لبعض التوترات السياسية الجسيمة التي كادت أن تزعزع قوة تماسكها أو تقطعها في بعض الفترات، مثل: قطع السعودية للنفط ومنعه عن أمريكا والعالم الغربي خلال حرب أكتوبر بين مصر وإسرائيل عام 1973م، وبعد الهجمات الإرهابية في (11) سبتمبر 2002م على برجي التجارة العالمي في نيويورك بعد التقرير الذي صدر من الكونجرس الأمريكي يتهم فيه السعودية بأن لها دوراً في تلك الهجمات، والذي لم يثبت صحته حتى الآن. ومع ذلك بقيت العلاقات الثنائية بين السعودية وأمريكا ثابتة قوية وصامدة. وظهرت صلابتها بشكل واضح أواخر هذا العام 2018م في اصطفاف الرئيس ترامب مع السعودية في قضية خاشقجي مما تسبب في زيادة حدة التوتر بينه وبين بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي، ولكن المؤتمر الصحفي للنائب العام السعودي الذي تم فيه تحديد الضالعين في قتل خاشقجي داخل القنصلية السعودية في تركيا، وإعلانه عن محاكمتهم محاكمة شفَّافة وعادلة ومطالبته بتنفيذ عقوبة الإعدام على المتهمين بالقتل كان ورقة قوية ورابحة في يد إدارة الرئيس ترامب لتهدئة المنتقدين لسياسته تجاه السعودية، وأكد لهم أن العدالة السعودية ستأخذ مجراها، فتحول موضوع انتقاداتهم السابقة من قضية خاشقجي إلى مطالبة ترامب بوقف تصدير السلاح والدعم العسكري إلى السعودية التي تقود التحالف الدولي في حرب اليمن، وممارسة الضغوط المختلفة على السعودية لتغيير سياستها الخارجية تجاه اليمن. ولكن في ظل الانقسام في الكونجرس بين أغلبية مؤيِّدة للرئيس ترامب وأقلية تنتقده، وحرص ترامب على سلامة المصالح السعودية الأمريكية المشتركة؛ فإن إدارة الرئيس ترامب جازمة في عدم ممارسة الضغط على السعودية لتغيير سياستها الخارجية، ولا يوجد أي مؤشر على وجود نية للتغيير في وضع العلاقات السعودية الأمريكية، ولن تتوقف إدارة الرئيس ترامب عن دعمها للجهود السعودية الإقليمية.
الخلاصة:
إن العلاقة السعودية الأمريكية تأسست على توافق تام بين المصالح المشتركة وليس القيم المختلفة.