فهد بن جليد
قبل نحو 14 عاماً قدمت برنامجاً تلفزيونياً عن (الإتيكيت) في تناول الطعام وفي الأناقة وتهذيب السلوك في الكلام والإنصات، فروقات الآداب من وجهة النظر الغربية والشريعة الإسلامية، مع سلسلة حلقات عملية عن إرشادات تناول الطعام في البوفيه المفتوح وآدابه تحديداً، رافقني فيها أحد خبراء الإتيكيت والاتصال من الأشقاء العرب، وكان يضع في كل حلقة وردة في جيب بدلته طوال البرنامج، وفي آخر الحلقات أذكر أنَّني تأثرت به ووضعت وردة على جيب ثوبي، ولكن هذه الحالة لم تدم طويلاً و تخلصت منها ولله الحمد، ولعلَّ أهم ما تناولناه في البرنامج عدم ملء الصحن بالطعام، وأخذ كميات زائدة عن الحاجة، والأفضل العودة أكثر من مرة للبوفيه بصحن جديد، بدلاً من رمي فائض الطعام، إضافة لطريقة وضع الشوكة والسكين على الطاولة ودلالتها عند القيام للبوفيه لجلب المزيد أو الاكتفاء من الطعام، وطريقة المشيء وعدم حمل أكثر من صحن ..إلخ، الشاهد أنَّني حضرت هذا الأسبوع إحدى المُناسبات وعند العشاء وبعد الجلوس على الطاولة التي جمعتني بعدة أشخاص، همس في إذني أحدهم قائلاً (طريقة سكبك للطعام خطأ) يجب أن يتم بالمعلقة الخاصة بكل نوع، والا نسيت نصايحك لنا يا (أبو وردة)؟!.
هنا ضحكت واعتذرت عن الخطأ على طريقة (صادوه)، فالبوفيه المفتوح في المُناسبات العامة والخاصة، يعكس لي شخصياً حقيقة كثير من الناس الذين قد أنخدع بهم، فعندما أجد شخصاً أعرف أنَّه مُقتدر مالياً أو لنقل (ثري) وقد ملأ الطبق الذي يحمله بأنواع الأطعمة، أي وضع (عباس مع دباس) بكميات مُتداخلة، خشية أن ينتهي البوفيه، أعرف أنَّ صاحبنا (مشفوح) ومحروم من نعمة المال الذي يملكه، وهذا الأمر ينطبق على بعض أدعياء الثقافة والأدب ممَّن تنهزم مبادئهم وأفكارهم وقناعاتهم، أمام لذة وشهوة الطعام وعبثية الفوضى المكانية، ليدخلوا في سباق (الأطباق والكراسي) مع الآخرين، مُتناسين شعارات الحداثة والتحضر والمبادئ التي يرفعونها على طريقة المثل القائل (كل ما يعجبك، والبس ما يعجب الناس).
الأمر في حقيقته يشبه كل شيء في حياتنا حواراتنا قناعاتنا أفكارنا مواقفنا، كثير من الشعارات التي نرفعها والقناعات التي نؤمن بها، ونكتشف لاحقاً عدم صوابها، وأنَّ الحياة أبسط من كل تلك التعقيدات التي نضعها.
وعلى دروب الخير نلتقي.