عروبة المنيف
تداولت وسائل التواصل الاجتماعي فيديو، يشرح فيه أحد الآباء الأسلوب الذي اتبعه لتأديب ابنته المتنمرة بعد أن طردتها إدارة المدرسة، ومنعتها من ركوب الباص بسبب تنمرها على طالب آخر. وقد اعترض البعض على الأسلوب التربوي الذي اتبعه الأب من خلال التعليقات التي دُونت على الفيديو. ورأى المعترضون أن أسلوب الأب في التأديب كان قاسيًا عندما أجبرها على المشي في البرد القارس لمسافة خمسة أميال، بينما هو يتابعها بسيارته إلى أن وصلت إلى مدرستها. لقد نعته البعض بـ»الأب القاسي والعنيف، وما هكذا تعامل الفتيات»!.. إلخ.
يدرك الأب في الفيديو المذكور خطورة التنمر كظاهرة اجتماعية سلبية، وآثارها العكسية على ابنته.. ولعلاجها من ذلك السلوك الشاذ انتهج أسلوبًا تربويًّا؛ ليقوِّم سلوكها، ويعطيها درسًا قويًّا لن تنساه في المستقبل.
يُعتبر التنمر من السلوكيات العدوانية المتكررة التي تهدف إلى الإضرار بشخص آخر بشكل متعمد. ويعتمد المتنمر أساليب عنف، إما نفسية أو جسدية؛ وذلك بهدف اكتساب سلطة على حساب شخص آخر. «فالتنمر النفسي» يكون من خلال الاستهزاء أو التوبيخ أو الشتم أو الإغاظة بهدف الحط من قدر الآخر. وقد ازدادت ظاهرة «التنمر السيبراني» في عصر الإنترنت، أو ما يطلق عليه «البلطجة السيبرانية»؛ إذ ينشر «المتنمر» صورًا أو أمورًا خاصة معيبة عن «المتنمَّر عليه» في الإنترنت.
أما «التنمر الجسدي» فيكون بالضرب من قِبل المتنمر على المتنمَّر عليه الأضعف جسديًّا. وتنتشر عبارة « قابلني بره» في المدارس؛ ليمارس المتنمر عنفه على المتنمَّر عليه بدون رقابة مدرسية. وينتشر التنمر بشكل كبير في المدارس بين الأقران؛ إذ تلعب الثقافة المجتمعية دورًا كبيرًا في تشجيع سلوك التنمر، كأن يقول الأب لابنه «خذ حقك بيدك»، أو «إن لم تكن ذئبًا أكلتك الذئاب»، أو «اضرب من يضربك».. إلخ من عبارات تُسهم في تأصيل سلوك العنف.
دراسات عدة شددت على أن المتنمر وضحيته عندما يصلان إلى سن البلوغ، ولا تعالَج سلوكياتهما، سيعانيان من اضطرابات نفسية سلوكية، قد تؤدي بهما إلى ممارسة العنف ضد النفس «الانتحار»، وضد الغير الذي يصل إلى حد «القتل المتعمد»! فقد كشفت الدراسات أن نسبة كبيرة من المتنمَّر عليهم قد أصبحوا عند البلوغ أكثر عرضة للسلوكيات السيئة، كالإدمان على الكحول والمخدرات، وقد تسوء حالتهم النفسية إلى ما هو أبعد من ذلك! فحوادث إطلاق النار في المدارس الأمريكية التي سمعنا عنها مرارًا، ووقعت من قِبل الطلبة ضد أقرانهم، كانت بسبب التنمر. وكشفت دراسة نرويجية على 2088 تلميذًا في الصف الثامن أن المتنمرون والمتنمَّر عليهم قد حصلوا على درجات عالية في مقياس الأفكار الانتحارية! التي أكدتها دراسة بريطانية حين كشفت أن نصف المنتحرين بين صغار السن من الشباب كانت دوافعهم بسبب التنمر.
تحية لذلك الأب الذي أثار ظاهرة التنمر بأسلوب تربوي شيق؛ فتهذيب سلوك الأبناء مسؤولية أسرية بالدرجة الأولى؛ وهو ما يستدعي رفع مستوى التواصل بين المدرسة والأسرة لكشف الحالات من أجل معالجتها.. ولا نغفل ضرورة تفعيل الحوار مع الأبناء، وتوعيتهم بظاهرة التنمر، وتشجيعهم على الحديث عنها، وملاحظة سلوكياتهم باستمرار، وتعليمهم السلوك الآمن على الإنترنت؛ فهو سلاح ذو حدين.