د. محمد عبدالله العوين
قرر الرئيس ترامب سحب قواته البالغة ثلاثة آلاف عسكري وخبير من سوريا تدريجيا خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، وقد بدأت القوات الأمريكية في الانسحاب من سوريا وعلى الأخص من منطقة شرق الفرات التي تمثل ثلث الأراضي السورية وكانت سابقًا تحت الهيمنة الأمريكية بتقاسم نفوذ مع الوجود الروسي القوي والمتمكن الذي يهيمن على الساحل كله وجزء من الوسط، وبتقاسم أيضًا مع الوجود التركي الذي يكاد يبسط نفوذه على الشمال السوري المحاذي للحدود التركية مزاحمًا ومطاردًا الأكراد، وعلى الأخص «قوات الحزب الديموقراطي السوري» من مناطق تواجدهم التاريخي مندمجين في تلك المناطق مع مكونات عشائرية ودينية مختلفة منذ أمد زمني بعيد على مدى التاريخ.
ويأتي قرار ترامب متزامنا مع انسحاب قواته الوشيك من أفغانستان، ومعللا خطواته هذه بضرورة وقف الهدر المالي الذي تتكبده أمريكا في الإنفاق على القوات الأمريكية المنتشرة في عديد من مناطق العالم، وداعيًا إلى أن تتحمل الشعوب المعنية في مناطق التوتر الدفاع عن نفسها.
وليس خافيًا أن الحسابات المالية فقط تسيطر على الرئيس وتغيب عنه الحسابات السياسية وما سيلحق بأمريكا من ضعف نفوذ تستفيد منه قوى أخرى منافسة كالروس مثلا.
لا علينا نحن العرب من الخسائر السياسية أو المكاسب المالية التي سيوفرها حاكم البيت الأبيض الاقتصادي؛ فهذا قراره ويتحمل نتائجه، وهذا شأن يخص الشعب الأمريكي نفسه؛ لكننا معنيون جدا بما سيترتب على قرار الانسحاب من تشكلات جديدة ستملأ الفراغ العسكري والسياسي وتفيد منه.
وقبل أن نقف على الكاسب والخاسر في المنطقة بعد رحيل القوات الأمريكية من المهم أن نقرأ ما تعنيه استقالة وزير الدفاع الأمريكي الجنرال (ماتيس) كأول رد فعل قوي ومزلزل وكاشف عوج وتسرع قرار ترامب وملمح بلطف وأدب إلى أسلوبه المنفرد في تعامله مع صناعة قراراته الخطيرة دون استشارة المختصين في الجوانب التي يجهل خفاياها، مما استفز مشاعر جزء كبير من فريق عمله نتج عنه قلق إداري تمثل في فصل وإبعاد أو استقالة أكثر من واحد وعشرين قياديًّا خلال فترة لم تتجاوز نصف الفترة الأولى لحكمه بعد انتخابه؛ أي خلال سنتين فقط.
لا شك أن الرابح من قرار ترامب الانسحاب من سوريا بالترتيب: روسيا وتركيا وإيران مع ميلشياتها والنظام السوري وداعش.
لا شك أن الخاسر اثنان هما: الأكراد والعرب.
سينفذ أردوغان عمليته العسكرية في شرق سوريا وسيسحق الحزب الديموقراطي الكردي كما توعد ويبعدهم عن حدوده -حسب زعمه- كما فعل في كوباني (عين العرب) حين سلط عليهم داعش بعد أن دعمها وهيأها لتكون قوة مساندة له.
بدأ رد فعل كردي غاضب على أمريكا عبر تصريحات قياديين كرد وعبر مشاعركردية شعبية تدفقت في وسائط التواصل.
وسيحدث الفراغ العسكري والسياسي في سوريا فرصة ممتازة لمن ينتظرون اقتسام جزء أكبر من الكعكة السورية؛ فمن يا ترى سيكون البديل الذي يستطيع حفظ التوازن بين القوى المتصارعة؟!