د. جاسر الحربش
قبل ثلاث أو أربع سنوات تعرفت على جراح أمريكي شهير من أصول إيرانية في ضيافة الصديق الأستاذ إبراهيم الطوق. الجراح الشهير كان يلبي دعوة لحضور مؤتمر طبي عالمي بمستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض، فاستضافه المستشفى لإجراء إحدى العمليات الجراحية بنفسه بعد التعرف على سير العمل والتجهيزات في المستشفى التخصصي. انطباع الجراح عن مستشفى التخصصي كان محفزاً جداً، وقد عدد بموضوعية وتخصص جودة التجهيزات والطواقم والتمريض وكل ما له علاقة بالجراحة. لكنه علق منتقداً على بطء سير العمل الجراحي بما لا يتناسب مع إمكانيات المستشفى البشرية والتجهيزية. قال إن الوقت الذي يجري فيه المستشفى التخصصي عمليتين جراحيتين كبيرتين كان كافياً لإجراء ثلاث أو أربع عمليات في أمريكا بنفس طواقم التخدير والتمريض والأطباء، لولا أن تجهيز المريض وإخلائه بعد العملية كان بطيئاً، مما يفوت على المستشفى إمكانية مضاعفة الحصيلة الجراحية اليومية.
نسيت ذلك اللقاء حتى تحدثت مع ابني المتخرج حديثاً من كلية الطب ويعمل في المستشفى الملك خالد الجامعي في مرحلة الامتياز، عندما أخبرني أنه أحياناً يشاهد عمليات جراحية يتشارك فيها أكثر من طاقم جراحي على مريض واحد وبعملية تخدير واحدة. عندئذ تذكرت ما عايشته شخصياً كطبيب امتياز في ألمانيا (الغربية آنذاك) قبل أكثر من أربعين سنة. كنت حديث التخرج من جامعة هايدلبرغ وأتدرب لمرحلة الامتياز في مستشفى مدينة صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها خمسين ألف نسمة بالقرب من مدينة هايدلبرغ. في أحد الأيام أحضر الإسعاف سيدة تعرضت لحادث مروري شنيع في الطريق السريع المجاور. كانت مغمى عليها وبها عدة كسور في الأضلاع ونزيف في البطن ومن المسالك البولية وكسور في أحد الساقين. ما شاهدته كان يفوق الخيال. خلال ربع ساعة كانت السيدة في غرفة عمليات المستشفى المتوسط الحجم بمقاييس المستشفيات الألمانية، بطاقم تخدير واحد وأربع طاولات جراحة، على كل طاولة جراح ومساعدوه الفنيون. كان جراح الصدر يشتغل على كسور الأضلاع والرئتين وجراح البطن على الطحال والأمعاء وجراح المسالك على المسالك البولية وجراح العظام على الساق المصابة بكسور مضاعفة للملمة الكسور وتثبيتها بصفائح فولاذية.
بعد أسبوع كانت المريضة تجلس في كرسي مدولب يتجول بها أحد الممرضين في ممرات المستشفى، وبعد بضعة أسابيع غادرت المستشفى إلى منزلها تمشي على القدمين.
زبدة المقال: النهضة التحديثية التي تعيشها بلادنا حالياً تحتاج إلى استغلال وتسريع كل الإمكانيات المتاحة في كل المجالات.