د.علي القرني
تمر سنوات وأحياناً عقود ولا تزال التخصصات الجامعية كما هي من دون تغيير، فالمسارات التخصصية باقية دون تحول أو تغيير عليها، خلال كل هذه الفترات الزمنية. فإذا نظرنا مثلاً إلى قسم من الأقسام العلمية أو الإنسانية أو الطبية في أي جامعة سنجد أن نفس المقررات هي نفسها، والتخصصات هي ذاتها، ولم يطرأ عليها أي تغيير.
وفي نظري أن هذه الحالة تمثل حالة ركود علمي يخيم على كثير من الأقسام والكليات في جامعاتنا.
وهذه الحالة ليست منتظمة في كل الجامعات، فهناك أقسام جديدة، وهناك كليات متجددة، وهناك جامعات متطورة، ولكن ما أدعو له هو إعادة التفكير في رسم هويات التخصصات العلمية في جامعاتنا، بشكل يساهم في رسم خارطة طريق جديدة.
وحسب فهمي أن نظام الجامعات يتيح الفرصة لإعادة تعديل الخطط الدراسية للأقسام كل خمس سنوات كحد أدنى، ولكن هذا النظام لم يحدد الحد الأقصى في إعادة النظر في تعديل تلك الخطط.
وإذا نظرنا إلى أوضاع الجامعات العالمية سنجد أن هناك حراكاً مستمراً في تعديل الخطط وتطوير المسارات التخصصية، وهناك عادة قوتان مؤثرتان في التغيير الذي يحدث في الجامعات، أولهما اقتصادي، وثانيهما تقني، فالعامل الاقتصادي هو من أهم العوامل التي تؤثر على الجامعات، من ناحية متطلبات الشركات والقطاعات الرسمية من الجامعات، فالجامعات الغربية والآسيوية بشكل خاص هي انعكاس لقوة وضعف الاقتصاد في تلك الدول.
وسواء قوي الاقتصاد أو ضعف فالجامعات هي مختبرات للتحولات الاقتصادية الوطنية، وهذا الانعكاس يؤثر على طبيعة الأقسام العلمية والكليات وأحياناً الجامعات بشكل عام، فيؤثر على طبيعة المناهج وطبيعة الخطط ونوع المسارات التخصصية العلمية.
إن الجامعات هي صدى لحركة الاقتصاد في الدول، وهي انعكاس لما يدور فيه من نهضات وتعثرات، كما أن العامل التقني هو عامل مرتبط بالاقتصاد ولكن أهميته تكمن في قوة تأثيره على العملية التعليمية بشكل عام، وطبيعة المستجدات التقنية تؤثر على كل العلوم والتخصصات، فإذا أخذنا الإنترنت على سبيل المثال كتقنية سنجد أنها أثرت بكل قوة على كل التخصصات في الجامعات الغربية بشكل خاص.
وكل مجتمع فيه أحداث كبرى سواء اقتصادية أو سياسية أو ثقافية، كما أن التقنية العالمية لها تأثيرها على كل المجتمعات البشرية، ولهذا فإن الجامعات ينبغي في أي مجتمع أن تتأثر بتلك الأحداث، ويجب أن تعكسها في خططها ومساراتها التخصصية، كما في المناهج والبرامج والوظائف المجتمعية.
وأنا أعلم بحكم اليقين أن جامعاتنا السعودية تتفاعل مع ما يدور في المجتمع، وتعمل بكل جدية ومهنية في أن تكون مرآة للمجتمع، ولكنا هذا التفاعل هو ردة فعل للحدث الآني وليس للحدث الإستراتيجي، أي أن الأحداث الكبرى في المجتمع لا تنعكس بشكل مباشر في الحدث الجامعي.
وما أقصده هنا، أن الجامعات يجب أن تعكس تلك الأحداث الوطنية والعالمية في خططها وبرامجها، فالأقسام والكليات تراوح في مكانها من دون تغيرات هيكلية في تخصصاتها، ومن دون تغييرات جوهرية في مناهجها.
ما أتمنى أن يحدث هو أن تفكر تلك الأقسام والكليات في إعادة النظر في مساراتها التخصصية وخططها الدراسية، بما يتوافق مع مستجدات الحدث الوطني من ناحية، ومع مستجدات التقنيات العالمية.
وهذه العوامل إضافة إلى عامل مستجدات التخصص في جامعات عالمية كلها تفرض على القسم أو الكلية أن تعيد النظر في تخصصاتها ومقرراتها ومناهجها وخططها، وإذا لم تتحرك هذه الأقسام والكليات، فينبغي أن تخطو الجامعة خطوة في حث تلك الأقسام والكليات في ضرورة إعادة النظر في وضعها الحالي الذي لم يتغير منذ عقود زمنية، رغم الحراك المستمر في كل شيء يحيط بتلك الأقسام والكليات.