مها محمد الشريف
عندما يمضي عام يستبشر العالم بعام آخر جديد تعتلي فيه الأمنيات والأحلام منصة التتويج تسندها آمال كبيرة على أرض الواقع لتحقيق تلك الأهداف، يكون للمرء فيها أغراض نبيلة تتسع لكل الافتراضات التي تقوم عليها العلاقات الدولية والإنسانية، وتبني عليها سيرورة التبادل، وتطرح البدائل بلا توقف، بعيداً عن قواعد اللعبة السياسية التي تجمع بين القوة والسطوة، وتنحى بالعلاقات إلى استجابة حقيقية تجتاز عتبة الاتجاهات السياسية وحل إشكالياتها.
فالعالم يعيش أدق مراحله، ويتلخص ذلك في المواقف التي ولَّدتها الصراعات المتكرِّرة والتناقضات السياسية والحروب القائمة، وزيادة التجارب النووية، والتي تعتبر مؤشراً خطيراً على إمكانية استخدام هذه الأسلحة الفتَّاكة وآثارها المدمِّرة، لكن لا يبدو أن هناك من اتعظ بالقدر الكافي بكوارث الحربين العالميتين والحروب اللاحقة ليصبح العالم مرهوناً بمغامرات رؤساء يمتلكون القدر الكافي من القسوة لتدمير الإنسان، فهل تتغلَّب قوة السلاح مجدداً على خيار السلام؟
إلى جانب ما لهذه السياسة من عواقب شتى ووخيمة دمَّرت البنية التحتية للعراق وسوريا وليبيا وفلسطين، فإن لها أيضاً محامد عديدة أهمها العقوبات على إيران، في ظل الانسحاب من الاتفاق النووي، والضغوط الاقتصادية واستثناء بعض الدول من العقوبات والسماح لها بشراء النفط الإيراني لمدة ستة شهور، ولأول مرة يحدث أن تتفق جميع النخب الغربية تقريباً على دور إيران الإرهابي وانتهاكات الحوثيين في اليمن والعقوبات المفروضة.
ولطالما تشكلت السياسة الخارجية الأميركية على صنع الأزمات، فكان التصاعد مستمراً وحلبة السياسة تكتظ بالكثير من الأحداث، لاسيما من اللاعبين الكبار والتعديلات الواردة في فحوى هذه السياسات للنظام العالمي، وخاصة على رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط، ليكون الحصار خمس قوى عوضاً عن الأربع القوى القومية المحيطة بالعرب، تركيا، إيران، إسرائيل، وإثيوبيا.
وتبعاً لهذا التحليل لا يوجد فرق كبير بين التفسير والتوكيد من جهة البناء المنطقي، فالدول العظمى لم تعد وحدها تنفرد بالقرار ولن تكون اللاعب الرئيس في العلاقات الدولية، بل هناك لاعبون آخرون، في الساحة الدولية، وعلى هذا النحو تنطلق من مفاهيم مغايرة بخصوص ماهية الحقيقة التي تحدد صناعة عالم من المثل ونحن نعايش عالماً مغايراً .
لا نعلم أين نجد حقيقة واحدة يقينية من حقائق تدور بين أميركا وروسيا وتداعيات المعاهدات والإستراتيجيات بين القوتين وحرب النجوم وعسكرة الفضاء، ونشر أسلحة هجومية متطورة في الفضاء الخارجي وسباق التسلّح، ونقل المواجهة إلى خارج المجال الجوي من خلال تصريحات المسؤولين الروس والأمريكان والكوارث المرتبطة باقتصاديات العالم.
يضاف إلى هذه الأزمات الاقتصادية العملاقة استمرار التنسيق والالتزام بخفض الإنتاج بين أوبك والمنتجين من خارجها، ارتفاع الأسعار إلى 86 دولار لبرنت ثم الهبوط الحاد إلى 50 دولار خلال أقل من شهرين، عودة الانتعاش لمنتجي النفط الصخري خلال هذا العام، ارتفاع إنتاج أمريكا من النفط إلى 11.7 مليون برميل، الاتفاق على خفض الإنتاج أوبك مع بقية المنتجين 1.2 مليون برميل من بداية العام القادم، وفرة المعروض والشكوك حول نمو الاقتصاد العالمي، انسحاب قطر من أوبك، فهل تنحسر الأزمات وتنجح الأمم في حل القضايا العالقة أو تتفجَّر الأزمات في العام القادم؟!